vendredi 2 janvier 2015

دراسة لفاطمة الفرحي حول كتاب "قمر مدهش في بهائه " للاديب محمد السبوعي


الفصل الثالث تقنيات توظيف دلالات " الأب" في ديوان قمر  مدهش في بهائه:
خصصنا فصلنا التّطبيقي لخوض غمار تجرية تتبع مسارات السّيميوز للكشف عن الأسرار الدفينة القابعة خلف السطور وارتئينا اختيار بعض النّصوص الشعرية التي اعتمدت تقنيات توظيف العلامة اللغوية "الأب " لأن النّص الشعري خزانا دلاليا لعديد من
المؤشرات اللغوية الدالة على الكثير من الإحالات التي تحتاج منا حنكة وذكاء مهارة في التعامل لذلك سنعتمد التأويلية كإجراء آملين أن هذه النّصوص الشّعرية المختارة تشفي غليلنا ونحن نبحث عن أغوار المتون الشعرية وما تخفيه لتكون ثنائية الحضور والغياب محركا فعالا ويتحول النص الشعري إلى فضاء مفتوح لتعدد القراءات ، فنحن بخوضنا تجربة المغامرة لبسنا لبوس المؤول المتفحص الآمل في القبض على الدلالات المتناسلة والمنتجة وستكون محطتنا الأولى .
هي التطرق لدور العنونة من خلال النّصوص الشعرية المختارة التي تخفي وراء علاماتها اللغوية دلالات " الأب" المحيلة للكثير من الأسرار الدفينة.
1- مسار العنونة في إضاءة الخطاب الشعري : يعتبر العنوان بوابة الولوج للنص الشعري فهو المفتاح الأوليّ لفك شفرات النّص كونه " تجميع مكثف لدلالات النّص، إن البؤرة قد يستقطبها العنوان ثم يتم تردادها في مقاطع النّص فتأتي تلك المقاطع تمطيطا للعنوان و تقليبا له في صورة مختلفة  فالكلمة المحور  والتي هي العنوان تتحول إلى


الجملة المنطلق لتناسب النّص عبر تشكلات و تقابلات عدّة ليمر على الجملة الرابطة وتتلاقى هذه الآليات جميعها في الجملة الهدف... " [1]  .
ندرك من هنا أهمية العنوان الذي سنتتبعه من خلال عناوين شعرية مختارة وهي كالتالي: ترنيمة ، هتاف، ظل ، ثلج الغابات، تيفيناغ، برنس، نجم ، مت يا أبي .
أ- عناوين المتون الشعرية : سنركز في هذه الجزئية على عناوين النصوص الشعرية المنصبة في الحقل الدلالي للعلامة اللغوية " الأب" حيث إننا خصصنا دراستنا في فك طلاسم ألغاز العناوين التي تخفت وراءها دلالات " الأب" وسنبدأ بالنّص الشعري المعنون ب  "ترنيمة " فهذه العلامة اللغوية تحيلنا للفعل " يترنّم – ترنّم – ترنّما بمعنى طرب الرجل بصوته وتغنى "[2].
وهنا يمكننا القول بأن الاستمتاع بالترانيم الموسيقية فيه عذوبة ورونقا وهذا ما يجعلنا نشدو و نستمتع لتكون المفارقة منصبة فيما لا يراد البوح به فنطرح التساؤل أهي السخرية المقنعة بالترانيم ؟


تومئ العلامة " ترنيمة " عن هدوء وسكينة وهذا الظاهر فونولوجيا  لأن ما هو متخفي هو عاصفة هوجاء ناجمة عن غياب الأصل الذي هو " الأب " مما جعل الوضع متأزما  فازدادت وضعية اللامبالاة بالشّدو بالتّرانيم ونسيان ما يحدث وهذا ما سيفصح عنه المتن الشعري الذي سنخصه لاحقا بالدراسة، تخفي العلامة اللغوية " ترنيمة " دلالات قابعة وراء سطور المتن الشعري تحيل لغياب المؤشر" الأب" الذي ستتجلى صورته الغائبة عبر الدراسة اللاحقة  لننتقل للعناوين الأخرى لعلنا نجد ما يشفي غليلنا وسنتناول بالدراسة عنوان النّص الشعري " هتاف " فالعلامة اللغوية " هتاف" تحيلنا  لفعل " هَتَفَ- يَهْتِفُ – هَتْفا بمعنى صَاحَ مَادّا صَوته"[3] لنربط بين العلامة اللغوية الاولى " ترنيمة" و"هتاف " فالأولى كما أشرنا تحيلنا للشدو نتيجة الهدوء والسكينة المقنعة بعاصفة ستتجلى لاحقا أما العلامة اللغوية الثانية " هتاف " فتحمل معنى الإصرار وضرورة الانصات والاستماع تتجلى ثنائية الحضور والغياب في المؤشر اللغوي " الهتاف" الطامع في ضرورة الإنصات والذي يقابله غياب السّماع برفع الصوت لتكون السلطة القائدة المتجلية في   "الأب" غائبة فمن الذي يقودنا لضرورة السماع يا ترى ؟ و نواصل متابعة دلالات العناوين لنتوقف هذه المرة مع النص الشعري المعنون بظل ، فالظل هو " ضوء شعاع


الشّمس إذا استترت عنك بحاجز"[4] ، وهنا نتوقف مليا فالمؤشر " ظلّ " يدل على الوهم لا الأصل، فظل الشيء عادة يرمز له ولكنه لا يجسد حقيقته ولطالما عبرنا عن الشيء المفقود كمغيّب بحضور الظل كمجسد نظرا لمعزته ومكانته ، فالميت كمفقود في أرض الواقع  يجسده المتخيل عند غيابه كظل حاضر ولكن لا أساس له من الصّحة، فأيّ ظل يا ترى مقصود في هذا الخطاب؟ يومئ الظل لغياب الأصل المحيل للأب المفقود لتكون ثنائية الحضور والغياب هي المحركة لفعاليات المتن الشعري الذي سنكشف عن خباياه لاحقا و نبقى نتابع دلالات العناوين النّصية لنقف هذه المرة مع النّص الشّعري المعنون بـ" نجم" ، فالمؤشر نجم يحيلنا للبهاء والجمال ، فالنّجم كوكب هومنبع الإضاءة والسّمو فاستحضاره كمجسد حاضر يومئ لما هو مغيّب وهو الظلام فهناك مفارقة ساخرة أبت الذات الشاعرة إلا تكتيمها كاشفة عبر المتن الشعري لتحيلنا العلامة " نجم" الدالة على السمو والرفعة لغياب القيادة المجسدة في الأب والتي سنتتبع دلالاتها في قراءة المتن الشعري الذي سنخصه بالدراسة لاحقا ونواصل رحلة تتبع العناوين النصية ونقف هذه المرة مع العنوان " ثلج الغابات " فالجملة الاسمية تحيلنا لمسكوت عنه سنكشفه لاحقا فالعلامة اللغوية " ثلج" ترمز للبرودة المحيلة للصلابة فكأنما استحضار البرودة يجعلنا نكشف هاهو مغيّب وهو الحرارة  لتكون العلاقة الرابطة هي الغابات .

يومئ "الثلج" للبياض الناصع الذي يزيّن الأشجار ويزيدها رونقا و يجعلنا نستمتع بمناظره الخلابة في حين تمنعنا البرودة من التنزه فنكتفي بالمشاهدة فقط، فيكون حضور ما هو مجسد يحيلنا لاستحضار ما هو مغيّب وهو الحرارة  الرامزة  للدفئ فتصبح صلابة الثلج محيلة لقسوة "أب " مغيّب سنتتبع دلالاته عبر المتن الشعري  وتتواصل رحلتنا المتتبعة لعناوين الديوان، فالنص الشّعري المعنون ب" برنس" يحيلنا عنوانه للموروث الشعبي وهو رمز الأصالة والشهامة ، فالبرنس " هو ثوب يكون غطاء الرأس جزء منه متصلا به" [5]فكأنما الذات الشاعرة عبرت عن حقائق مخفية متسترة بالبرنس الذي يرتديه "الآباء" عادة كتعبير عن الانتماء والأصالة .
تومئ الدلالة المتخفية وراء استعارة العلامة اللغوية " برنس" ضرورة المغامرة في تبيان أسرار المتن الشعري والذي سنتتبعه لاحقا لعلنا نجد ما يشفي غليلنا و تبقى ثنائية الحضور والغياب المحرك الفعال في كشف دلالات العناوين المضمرة المستعارة كأقنعة تخفي من الدلالات الكثير وستكون وقفتنا هذه المرة مع عنوان النص الشعري " تيفيناغ"  تجعلنا هذه العلامة نقف متسائلين عن معناها فنجدها بتفحصنا للتاريخ إنه " الأجدية بلغة التوارق" فلماذا العودة يا ترى لهذه الأبجدية أهو الحنين أم الفخر؟ .


يحيلنا الرجوع لأصالة التوارق المعبّرعنها بالأبجدية لمغيّب لم تظهر صورته الجلية فكان مضمرا إنه " الأب" رمز الأصالة الشاهد عن لغة الأجداد والذي سنغوص بحثا عن دلالاته عبر المتن الشّعري لاحقا .
وتبقى رحلتنا متواصلة باحثة أول عتبة من عتبات القراءة المضيئة لفضاء النص الشعري ليجيء عنوان النص الشعري " مت يا أبي " صريحا وواضحا فالجملة فعلية
مبدوءة بفعل الأمر " مُت" تجعلنا مستغربين فالموت لا نتمناه للعدو فلماذا نطلب موت القريب الأقرب ؟
 يرمز الأب القوة و الشموخ و تحمل المسؤولية  فتتجلى المفارقة الساخرة  بطرح السوأل ماذا فعل الأب من جرم يا ترى ؟ ألم يعد الأب حام الحمى؟ أفقد الأب قدرته وعزه وشموخه حتى تمنّينا موته؟
تجعلنا جل هذه التساؤلات المطروحة ندرك حجم المعاناة فالمجسد " الأب" فقد دوره فكان مغيّب فعلا وحاضرا صورة فقط، ، تكمن أهمية العنوان في ضرورة خوض غمار البحث والتقصي عبر المساءلة والمحاورة بممارسة لعبة التفكيك في كشف أسرار الدوال الظاهرة فونولوجيا .
نتطرق للعنوان كبوابة للولوج للمتن الشعري وكلّنا أهبة واستعدادا لخوض مغامرة اعتماد التأويلية وهذا ما سنبحثه  ونحن نمارس لعبة التفكيك و التأويل في دراستنا الباحثة للتجليات المنثة على سطح الورق و تتبع مسار تجليات الأسطورة والتجليات الدينية     من خلال مقاربة تأويلية ، حيث إننا سنقف عند النماذج الموظفة لهذه التقنيات وستكون محطتنا الثانية بعد دراسة العناوين هي :
ب - مسار تجليات الأسطورة : سنتطرق في هذه الجزئية للدلالات المتناسلة للعلامة اللغوية " الأب" آملين من خلال تتبع مسارات السيميوز الكشف عن تجليات الأسطورة فالتناص صار جزء لا يتجزء من إبداعية النّص الشّعري العربي المعاصر وعليه فالعالم "الأسطوري السّحري الحقيقي هوالعالم الذي تختلط فيه حدود الممكن والمستحيل وتمتزج فيه مستويات الخيال بالواقع، و يصبح العمل بأكمله استعارة كبرى تكشف عن دلالة أساسية ".[6]
اخترنا بعض المقاطع الشعرية من نصوص مختلفة  وتقصينا مسار الأسطورة محاولين تتبع دلالات "الأب " المتوارية خلف السّطور غير متناسين دراسة مظاهر الفضاء البصري المنبثة على صفحات الديوان الشعري باعتباره " مهارة تحمل معان كثيرة  وأداة مهمّة من أدوات الشاعر  لذلك أخذ النقد الحديث يوليها إهتمامه لأن الشّكل البصري للنّص لم يبق عنصرا معزولا يمكننا أن نحيله إلى صورة أخرى دون أن يتغير المعنى"[7].
حاولنا من خلال قراءتنا المفتوحة على تعدد القراءات  و بممارسة لعبة تفكيك الدوال الوقوف على أهم المحطّات المتناولة للأسطورة المحيلة لدلالات الأب مؤكدين على ضرورة تتبع مظاهر الفضاء البصري نظرا لحملها " دلالة ما، حتّى و لو لم يقصدها الشّاعر تماما ، فإن هذا الشكل ما جاء إلا بتأثير مقصدية في النّص ".[8]
نبدأ رحلة بحثنا في الوقوف عند مقطع شعري من النّص المعنون ب " هتاف" الذي وقفنا عند دراسة عنوانه سابقا فنستهل وقفتنا ببياض  يحيلنا لمسكوت عنه عبر عنه فضاء الورقة كدعوة لضرورة التأمل و التفحص فهناك من الكلام ما يجب أن نأخذه بمحمل الجدية و الوعي، فالصّمت المخترق لصفحة الورق يجعلنا ندرك أهمية ما سيأتي من كلام كونه جاء من تروي ودقة نظر، فالصمت طال ولابد من الإفصاح وعليه فسلاحنا هو مسارات السيميوز المظهرة لتجليات الأسطورة المحلية لدلالات الأب .
" من دمي سال كل نشيد على الأرض
من طيننا كوّر الله آدمه..
فاصهلي عاليا فرس البربري المحارب

  غيما ..
 وريحا..

وآلهة..
اصهلي عرب العشب و السّهب .." ( ص 19 )
 تقر الذات الشاعرة أن دم العروبة الجامع لكل العرب قد سال منه كل نشيد على الأرض  فمعاناة الموت والحصار والضياع صنعتها ألسنة العرب المنددة دونما جدوى فيصبح الدم هولغة النشيد ، فالحمرة تسيل كعار  و الشعارات تندد بالأقاويل  فنتناسى أننا كلّنا مخلوقين من طين ومآلنا إليه وهذا ما جعل صورة أبو البشرية الجامع لنا تغيب فالأدمية هي التي جمعت كلّ الإنسانية كونها المنشأ الموحد .
تحيلنا  ثنائية الحضور والغياب لمفارقة ساخرة، فأبو البشرية الذي سجدت له الملائكة وكان سببا لطرد إبليس من الجنّة جعلنا نستحضر مفارقة الهوان الحاصل لبني البشر ونحن نتفرج دونما حراك  مرددين شعارات النّشيد المر قال تعالى في سورة الأعراف الآيات 11، 12، 13 "وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)".



يستحضر النص الشعري الذي يبين أيدينا صورة الآدمية المهانة كمجسد ليغيب حضور "الأب" المكرم فنجد النقطتين.. فيهما إحالة لمسكوت عنه مادامت العلاقة انفصالية بين الكرامة والصمت فدماء الفلسطنيين تسيل أمام مرآى نشيد يعزف دونما جدوى وهنا تتوالى الصراخات لذات رافضة باختراق البياض بفعل الأمر " فأصهلي" التي حركت الصّمت معلنة خرق فضاء كسر الثبات والجمود وهي متعلقة بصهيل عال لفرس بريري محارب يؤمن بالثورة فعلا لا قولا  لتكون النتيجة غيما ... وريحا...وآلهة وهذه المؤشرات اللغوية الثلاث تومئ للخلاص ، "فالغيم" يحيلنا للغيث باعتباره مصدر للنماء  و" الريح" يومئ للثورة والتغيير ، و" الآلهة "رمز للتحقيق العدالة .
 تريد الذات الشاغرة ثورة فعلية مؤسسة وفقا قيادة أبوية هي أصل تواجدنا لتسفر النقطتين ..الواردتين بعد كلّ من الغيم و الريح و الآلهة كمؤشرات دليل على أمل عالق بوحدة عربية باتت حلما لن يتحقق فيتجلى البعد الأسطوري لواقع مخزي يجعلنا بلا شك نقف عند مفارقة ساخرة لذات ملّت من الانتكاس والكلام دونما جدوى ، فالعرب صار كلامهم صهيل لا رجاء منه ما دام العشب والسّهب صارت ملاذا الهروب والاختفاء من مواجهة حقيقية مرة فهل قناع "النّشيد" يصلح  كستار للمعاناة ؟ هذا ما عجزت الدّوال اللغوية عن قوله فيختم النّص الشّعري بنقطتين.. كإحالة لمفارقة ساخرة لعرب لا تؤمن بثورة حقيقية .

تواصل المتون الشعرية عبر نصوص الديوان الذي بين أيدينا عرض صورة " الأب" كمغيّب ونواصل نحن مغامرتنا في الخوض معتمدين  إجراء التأويلية  متتبعين كل ما يحرك فينا التساؤل آملين البحث عن ما يتوارى خلف السّطور لنتوقف عند النّص الشّعري المعنون " بظل" والذي وقفنا عند دلالات عنوانه مركزين على تتبع البعد الأسطوري غير متناسين مظاهر الفضاء البصري الذي سنقف عنده في تحليل كل مقطع شعري.
" ليت لي ظل لأعدو
هاربا منه ، إلى أيّ إتجاه ...
ليت لي مالا أراه ...
سورة الكوثر إذ ترفو على سطح المياه ..." (ص 21)
تفصح العلامة اللغوية " ليت " عن نفس تواقة تتمنى امتلاكها لظل، فما الذي يجعلها تتمنى يا ترى ؟ يستفزنا هذا التساؤل لنقف مليا فالواقع المرير الذي فرض هذه الأمنية جعل الذات تحلم بامتلاك " ظل " كملاذ أحسن من عدو غاشم فيتحول بذلك " الظل " مؤشرا للحلم  فالهروب كملاذ تتبع الذات خطواته كمسلك يرفض المعاناة فتصبح النقاط الثلاث ... فسحة للتعبير عن تعد الاتجاهات وضبابية الهدف المنشود و تتكرر العلامة اللغوية" ليت" مرة أخرى  لكن التمني سيكون بانعدام الرؤية كمفارقة ساخرة تصور واقع معاناة مرير عُجِز التعبير عنه فتتوالى النقاط الثلاث مرة أخرى كمتنفس لمسكوت عنه

عجز البوح عن مكوناته فيصبح الصّمت كما يقال حكمة،  وتبقى الدوال اللغوية تصور المرارة  فسورة الكوثر حكايات قرآنية تبجل مكانة المؤمن صارت ظاهرة مكشوفة على سطح المياه فكأنما جزء القدسية المبجلة الظهور للعيان مع فقد القيمة الجوهرية  فيصير الوهم صورة مجسدة لغياب الحقيقة وتحيل النقاط الثلاث...عن  وهم حقائق مصطنعة لا تظهر باطن الأشياء و إنما تدل على ظاهرها ويواصل سرد المفارقات الساخرة لذات تفضل " الظل" عن راهن مرير  باحثة عن قيادة مغيّبة تجسد سلطة " الأب" المفقود الذي عبّرعنه البعد الأسطوري الحالم بواقع أفضل .
" في بلاد الشّمس صدقت كثيرا كا رواه .
 شيخنا الأعمى عن الأفعى و عن تفاحة الإغواء .
لا كوثر في المنفى ...
فمالي لم أنخ بعد رحالي ...
و أحلق في رؤاه " ( ص21)
تناشد الذات الظّل الواهم وسط ضبابية أخلطت أوراق الحقائق وأوهمت الجميع في بلاد الشّمس كإحالة للإشراق والأمل فحكايات الشيخ ترمز للأصالة تستحضر لنا قصّة الأفعى كعبد أسطوري واهم وعلاقته بخروج آدم أبي البشرية وحواء من الجنّة مبرزة  لنا علاقة التشابه المحركة لفضاء التساؤل فهل الذات التي سلبت أرضها هناك من شارك في

مؤامرة إخراجها منها؟ تعيد صورة تحريض آدم وحواء نفسها فتجعلنا هذه التساؤلات نتذكر أسطورة الأفعى المحرضة فقد قيل " في كتاب التّوارة التي بأيدي أهل الكتاب ، أن الذي دل حواء على الأكل من الشّجرة هي الحية وكانت من أحسن الأشكال وأعظمها ، فأكلت حواء عن قولها وأطعمت آدم عليه السّلام . "[9].
يومئ البعد الأسطوري عن قصّة الأفعى و تفاحة الإغواء ليكونا سبب حرمان آدم وحواء من الجنّة فهذه الأسطورة تم استحضارها لتذكيرنا بخطأ آدم " الأب"  الذي يفترض منه الطاعة لخالقه للحفاظ على مكانته فتصيرعلاقة المشابهة بين هذه القصة المسرودة و بين واقع الفلسطنيني المحروم من جنّته المتمثلة في أرضه، فالسّلم كشعار مضلل لا طائل منه فلا آمان ولاسلام مع العدو وشعارات العرب المساندة للسلام هي "وهم" مضلل لحقائق غرضها الحرمان من حق مشروع هو " الوطن " ، تدل الأفعى كرمز على المكر والدسيسة أما تفاحة الإغواء فهي مصدر للإغراء و ظل تعلق عليه معاناة الفلسطنين وهنا تبرز المعاناة المريرة  فالظل الواهم الذي تبحث عنه الذات الفلسطينية نتيجة غياب   "الأب"  كسلطة جامعة وقيادية هو هروب من بطش اليهود الذي نجم عنه انعدام " الكوثر " كإحالة للآمان في المنفى الغريب عن الوطن وما النقاط الثلاث إلا تعبير عن فقدان الإستقرار في أرض ليست موطن أصليا ، لكن التساؤل الذي يبقى مطروحا هو إنعدام الرحيل و الحلم به ، فبطش الآخر اليهودي فاق التصور ولعل هذا ما أومات له النقاط الثلاث كدلالة على صعوبة العيش في وطن محروم يحكمه الآخر اليهودي  فيكون الظل محور عملية المعاناة و اللهث وراء حلم صعب المنال ولعل هذه الترسيمة تبين لنا تناسل الدلالات انطلاقا من المؤشر "ظل " كمفتاح أوليّ .
                       تحيلنا لوهم الهروب من واقع العدو الغاشم .
ظــل               غياب سلطة العروبة بغياب الأب المسيّر والمحرك الفعال .
                       تستر حقائق مخفية وراء أكاذيب مصطنعة .
تتمحور دلالات المؤشرات اللغوية في النّص الشعري الذي بين أيدينا عن حقائق مخفية لعدو يصطنع الأكاذيب و يخلق الدسائس من أجل سلب أرض الفلسطيني  لتبقى الذات تناشد ظل واهم من أجل نسيان معاناة مريرة  نتيجة تخاذل عرب تجمعها عروبة واحدة غابت فعاليتها على أرض الواقع فكان الوهم مجسدا أمام صورة مغيّبة لا طائل ولا جدوى منها.
تتواصل رحلة البحث عن الأسرار القابعة خلف السطور والتي خصصناها لفك خفايا العلامة اللغوية " الأب" التي كان حضورها مغيّبا  معتمدين دوما إجراء التأويلية وستكون وقفتنا هذه المرة مع النّص الشّعري المعنون بـ " ترنيمة" و الذي قاربنا تبيان دلالاته المتناسلة بقراءة عنوانه كعتبة أولية .
 

تهيء فاتحة النص الشعري النفس المستقبلة للسماع بكل أريحية إنها صحوة الضمير قبل صحوة السماع ، يبتدأ المقطع الاول بـ: "
                             "عبثا تبحث في مرثية الارض
                              تمهل ، ليس هذا زمن التيه
                              شربنا و إرتوينا
                              من خرير النهر نحن الغرباء
                              في بلاد الله .. و الموتى، و بعض الأنبياء.." ( ص13)
يحيل الخطاب الموجه لأوامر ضمنية لمؤشرات لغوية متسترة ، فالبداية مبدوءة بـ" عبثا" التي تحمل صرخة ضمنية  فالعبث لا جدوى منه ولارجاء ، فلماذا البحث في مرثية الأرض، تصرخ الذات المتأملة لعملية البحث التي لا رجاء منها وتستوقف وتقرر أن ترشد و توجه فهي لم تحتمل فكرة بحث لا جدوى منه ، فماذا تريد القول يا ترى ؟
تدعو الذات الراوية عبر العلامات اللغوية " الذات الباحثة " أن تتمهل ، فالتسرع ينجر عنه العبثية وما التمهل إلا وسيط التعقل وبين لعبة لضدان تكشف ذاتان متضادان الأول عبثية باحثة دون جدوى والثانية متأملة ومتبصرة ومدركة تدعو للتمهل باعتباره موصل الآمان و سر التعقل و بين عبثية لا طائل منه أو دعوة للتمهل يفصح سر الدوال اللغوية فالذات المتعقلة الداعية للتبصر  تدرك أن هذا الزمن ليس للتيه و تعلل ذلك بالشرب

والارتواء وهذا ليس حقيقة الذات المشاهدة و الباحثة فقط فالكل ذاق الشرب حتى الارتواء ودليل ذلك الضمير الخاص " بنحن" في " شربنا و ارتوينا" ، و مصدر هذه النعمة هو  "خرير النهر" فيصير الصوت منبع النعمة للجميع مثلما كانت الترانيم مصدر سرور كل محبّ للموسيقى ،  لكننانجد بالمقابل الذات الباحثة تفتقد لترنيمة فريدة باعتبارها عبثية وهنا تستوقفنا الذات الراوية لتذكرنا بالمستفيدين من عطاء خرير النّهر إنهم الغرباء في بلاد الله ، و الموتى  و بعض الأنبياء.
 يفصح الخطاب الشعري عن مكوناته فهؤلاء ارتوا السّماع بدل الماء، فالمؤشر اللغوي "الغرباء" استحضر المؤشر المغيّب " المواطن الأصلي" فتتجلى المفارقة فهل النهر يعطي للمواطن الأصلي خريره أيضا أم أنه سيمنحه الماء؟ تبرز المعاناة من خلال العطاء الممنوح شكليا فقط أما المؤشر اللغوي الثاني " الموت" الذي ارتوى أيضا بخرير النهر استحضر المغيّب الثاني " الأحياء" ، فتحصل المفارقة أيضا فالموتى الذين غابوا عن الحياة ما استفادوا إلا خرير النهر، فهل الأحياء أيضا يرضون باستبدال ماء الشرب بالخرير ؟
يومئ التساؤل المطروح للغرباء الذين غابوا عن الوطن فما شربوا إلا سماع خرير  ليكون المؤشر اللغوي الثالث " و بعض الأنبياء " مشارك أيضا في عملية الارتواء من خرير النهر ، و قد إختصت الذات الشاعرة البعض فقط من الأنبياء كون النبيّ يعاني في

إبلاغ رسالته مثل الغريب فتكون النقاط المشتركة للمؤشرات اللغوية الثلاث: الغرباء والموتى و بعض الأنبياء هي الشرب من سماع خرير النهر.
 يومئ الصوت للمحرومين و لعل النقطتين .. فيهما إحالة لمؤشرات مسكوت عنها لا تريد الإفصاح عن أسمائها لتلعب لعبة ثنائية الحضور و الغياب دورا فعالا في هذا المقطع الشعري الذي بين أيدينا ، فالخرير كصوت مسموع للنهر كان محرك العملية الاستكشافية فهو منبع العطاء  لكل من الغرباء و الموتى و بعض الأنبياء و تبقى الذات الراوية المتأملة تبحث و ترشد لغياب القيادة المرشدة  و سنواصل رحلة مغامرة تفكيك الدوال والبحث عن تناسل الدلالات المنصبة في الحقل الدلالي للعلامة المغيبة " الأب" و سنتتبع ذلك مع المقطع الثاني:
" عبثا تبحث في هذا التراب .
عن رفات الأولين..
عبثا تنبش في هذا الكتاب
عن رماد الآخرين..
فالذي يؤتيك هذا الحزن ربّ العالمين .( ص 13).

خُلٍق آدم أبو البشرية من طين ليكون الحنين للبحث عن التراب ملاذ الإنسان الأول والأخير فقد غاب دور الأب المسيّر لنجد العبثية في البحث عن التّراب قوله تعالى في سورة الحجر الآية 26 " "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ"
تتجسد العبثية من خلال البحث عن رفات الأولين  لأن الذي مات لن يعود خصوصا أن التراب ستار العيوب  كيف لا و هو من ستر قابيل عندما قتله هابيل قوله تعالى في سورة المائدة الآيتين 30-31 " {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ" (31)
تحرك الذات الفضولية عملية البحث العبثية وهي تلهث وراء تبيان سر مدفون و تقابلها من هناك ذات واعية بالحقيقة تدرك مآل البحث وما النقطتين ..الواردتين بعد رفات الأولين إلا دلالة عن مسكوت عنه مدفون في التراب تعبث الذات لاهثة في البحث عنه وتبقى العلامة " عبثا" كمؤشر تتكرر مادامت تعتبر نتيجة للبحث و العناء ولكنها هذه المرة ستنبش في الكتاب فأيّ كتاب مقصود يا ترى ؟ أمقصود الحياة المعبّر عنها بالكتاب أم صفحات الكتاب المخطوط بالكلمات؟ نجد النتيجة لكلاهما سيّان  مادامت عملية البحث عبثية لا جدوى منها والأمر يتعلق بالبحث عن " رماد الآخرين" فالرماد فيه إحالة عن البحث عن المستحيل ، "فالنار" عندما تحرق الشيء و لا تبقي له أثر  نقول إنها حولته رمادا  فكيف يتم البحث عن المجهول ؟

جعل غياب السلطة القيادية ( الأب) الذات الباحثة في كل مرة تعاني فبحثها في مرثية الأرض لم يحصد منها إلا ارتواء من سماع دون جدوى والبحث في التّراب باعتباره منشأ
الخلق  لم يعد له إلا بالحزن والعناء لأن السر المدفون لم يعلن عنه و تتواصل الذات المتأملة الراشدة فضح معاناة البحث عبر المقطع الآخر الذي فصله الشاعر ببياض واضح أعلى الصفحة  فكأنما الخطاب الشعري أراد إعطاء المسكوت عنه حقه  فالأسرار الدفينة التي لم تجد من يعلنها خصّ لها الخطاب جزئية بيضاء من الورق فهناك من المؤشرات المغيّبة ما جعل البياض يحل محلها كتعبير عن فاصل زمني للضياع وراء البحث  فهذا البياض امتناع عن قصد وهذا ما أكده إيزر " كلما زادت البياضات النصية كلما تعقدت عملية التركيب و التوليف بين مختلف أجزاء النص، و كلما زادت حيوية و إنتاجية نشاط التخيل و التمثيل لدى القارئ ، غير أن ما يهمنا هنا هو الوظيفة الأساسية التي تؤديها البياضات ، إنها تلعب دورا أساسيا في بناء التشكيلات الدلالية لدى القارئ وخلال سيرورة القراءة فإن البياضات اللاحقة يمكنها أن تقلب التشكيلات الأولى و تحث القارئ على إعادة بناء تشكيلات أخرى تكون قادرة على إدماج الأجزاء النّصية الجديدة  و بالفعل نفسه يدفع القارئ الى مراجعة الكيفية التي ملا بها البياضات السابقة"[10].


تواصل رحلة البحث عن مكنونات الدوال اللغوية المحيلة للعبثية معتمدين إجراء التأويلية كمحرض فعالا لمسارات السيميوز المنتجة للدلالات المحيلة للمغيّب "الأب" الذي فقد دوره  فحلّت العبثية محل الجدية وتواصل الدوال الإفصاح عن مكنوناتها :

" عبثا تشدو بلحن ليس لك..
 عبثا تهفو لأرض لم تنلها..
  أو بلاد لم تصلها..
  فاغفر اللهم إن الملك لك.." (ص 14).
تواصل العلامة اللغوية " عبثا" الإفصاح عن معاناة الذات العبثية فمن اللامعقول الشّدو بلحن ليس لصاحبه فتتجسد رحلة الضياع وراء شعارات واهية لعروبة لا تعرف إلا الكلام ، فالأب كعلامة مضمرة ومغيّبة فقد دوره فما كانت التبعية إلا عبثية دونما جدوى، لتكون النقطتين .. كحذف مقصود وتقنية من تقنيات الفضاء البصري تدلان على الحرمان ليتكرر المؤشر " عبثا" مرة أخرى للاستغراب من نفس الذات التي تنشد أرضا لن تنالها وهنا تتبدى الحقائق المتسترة وراء السطور فالحرمان نابع من عدم النيل فالذات الباحثة أكيد أنها بلا وطن لذلك فقد صبرت صبر الأنبياء وعانت رحلة الغرباء وعاشت عيشة الذل  فكانت ميتة وهي حية

وهي تناشد دوما وطن فلا تصله إنها الذات الفلسطينية التي عانت في أرضها
فعاشت عيشة الغرباء تسمع شعارات عرب لا تعرف إلا الكلام  فتكون الإحالات أخيرا كما يلي :
خرير النهر يحيل لأصوات و شعارات العرب الغير مجدية نتيجة غياب القيادة المسيرة.
الذات الباحثة العابثة تحيل لذات فلسطينية تناشد الحلول دونما جدوى .
تظهر البنيات السطحية عن علاقة تبدو شكليا متحدة ولكنها باطنيا تبدو كاذبة                وواهية فالذات الباحثة لم ترو عطش المحتاج ( المسلوب الوطن)  إلا                  بشعارات و أحاديث  فالحرمان الذي تعانيه الذات الفلسطينية تبعتها في كل بيت شعري نقطتين .. كرحلة لشقاء متجدد  فالبعد الأسطوري الكاشف لمنشأ الخليفة الأولى و الذي  مآله " التراب" هو ملاذ التطهير من دنس الحياة الحاملة في طياتها المعاشة الجور لبني آدم أبو البشرية ليختتم النص الشعري بهذا المقطع الاخير .
 "عبثا ترسمُ للرّيح إتجاه..
 سيدي الشّيخ لقد تهنا وتاه...
 حلمنا الدّامي بأرض ، أو إلاه" ( ص14)



يواصل تكرار المؤشر " عبثا " تهدئة الذات الباحثة عن مسار حياة فهي بلا وطن لم ترسم إتجاه ، فالريح تعبر عن اللاستقرار ، ولا يمكن لها بأيّ حال أن  تكون مسلك لإيجاد الحلول وما دلالة الحذف المعبر عنه بنقطتين .. إلا دليل مسكوت عنه لعبثية حاصلة
نتيجة تخاذل العرب فالنداء موجه صراحة " للسّيد الشيخ" الشاهد لتتجلى صورته كمجسد حاضر صورة فقط فهو أبو العروبة قاطبة  لكن لا دور له لأنه تاه و تهنا معه  وتبخر حلم فلسطين كأرض مستقلة لتسفر تقنية فضاء الورقة المعبّر عنها بالحذف المجسد بنقطتين .. كتعبير عن مسكوت عنه آبى إلا أن لا يفصح عن مكنوناته .
تواصل رحلة التأويل والبحث في خفايا الدوال اللغوية المتوارية ووقفتنا ستكون مع النّص الشعري المعنون بـ " تيفيناغ " الذي تطرقنا إلى عتبته الأولى و هي العنوان  لنقف وقفة متأنية متتبعين إجراء التأويلية التي سننتهجها في غمار تفكيك الدوال الباحثة عن دلالات الأب المغيّب وسنكشف عبر المسائلة دلالات تقنيات الفضاء البصري الذي أخذ أبعاده في هذا النّص الشّعري ، يبدأ هذا الأخير بمساحة بيضاء  فكأنما تريد البوح عن مسكوت عنه يأبى دوما أن يتوارى باعثا فينا فضول البحث والمغامرة لتكون فاتحة النص الشعري المعلنة.



" أدخل غات
و أوهم أوهامي
أنيّ أتلّمس جدران الكعبة...
من باب الحلم، و باب التّيه
أقبّل أحجار تتراءى لي سوداء
وألثم طينا لم تصهره تنانير الخزافين
ولا آلهة البدو " ( ص 60)
تفصح البداية عن إسم غير متعارف عليه إنه " غات" الذي نجد معناه في حاشية النّص الشعري إنه واحة في أقصى الجنوب الغربي لليبيا لتعلن الذات التحدي بالدخول لهذه الواحة و تبقى عملية المسائلة مفتاح الخوض و البحث لنجد أن القدسية والفخر             و الاعتزاز هو السبيل المحرك الذي جعل الذات الشاغرة تخوض مغامرة الدخول لهذه الواحة  فهي توهم نفسها أنها تتلمس جدران الكعبة وهذا إنما يدل على تقديس المكان والافتخار به و ما النقاط الثلاث  ... كحذف لدوال مسكوت عنها إلا دليل على عمق المحبّة المحمولة لهذا الحيز الجغرافي المحيل على غات ، فالحلم المراود لهذه الذات فتح باب الأمنيات فالمؤشر " حلم" يومئ لمستقبل واعد  لكن المفارقة تتجلى مع               المؤشر " التيه "، فالمؤشر "حلم" يومئ لمستقبل واعد لكن المفارقة تتجلى مع المؤشر "

التيه" فكلا الهدفين متناقضين فالأول يحيل لمستقبل زاهر حالم بينما هذا الأخير " التيه" يحيلنا لتعدد المسالك و تشعبها فتصبح الرؤية أخيرا مشكوك فيها ، فمتخيل الذات الراوية غير محدد نظرا لتعدد الأبواب فيخيل لها أنها تقبّل أحجارا تتراءى لها أنها سوداء  فالحجر الأسود المبارك الذي يقدسه الحجّاج ، صار متواجد في " غات" كحلم .
دخلت الذات الحالمة ذلك المكان من باب متشعب المسالك لتجد نفسها أنها " تلثم طينا "    و في هذا إحالة للقدسية ، فكلنا مخلوقين منه ، فآدم أبو البشرية خلق منه لتسجد له كل الملائكة ما عدى إبليس ، قوله تعالى في سورة الأعراف الايات 11، 12 "  {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11 ) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12) } .
يحيلنا استحضار الطين لحلم الذات الراوية بعودة " أب مغيّب" يقود زمام الحق و يأمر      بنصرة المظلومين فهذا الطين لم تصهره تنانير الخزافين، فالحيز الجغرافي الممتد الذي يدعى غات فيه طين مقدس ليس كغيره، لذلك فصورته المتواجدة فيه عجزت تنانير  الخزافيين وآلهة البدو المقدسة أن تصهره أو تشكله  فهو لا يأبى أن يغير من شاكلته إنه الطين المقدس الصالح للفخر والإعتزاز فقط والمحيل لقيادة مغيّبة تحلم الذات بتقدسيها في مكان المظلومين ، و تتواصل حكاية الحلم المتواجد " بغات" الذي فتح باب فضاء المتخيل

وجعلنا ننغمس مع حكاية هذه الذات التي كافحت وأبت إلا الدخول لغات فتتجلى قصة الحبّ الأبدي.
" و أكتب في الألواح بصمغ الكبش الأقرن ما معناه :
       " لا غالب إلا الله " 
        " لا غالب إلا الله " ( ص 60).
تفصح الذات الراوية عن دورها إزاء تواجدها في " غات" ، و هاهي تؤرخ مسارالأحداث بالكتابة في الألواح بصمغ الكبش الأقرن كدلالة على التوثيق والترسيخ                     فالشهادة مؤرخة لذات عايشت و كابدت  لتؤرخ حقيقة مكررة  "لا غالب إلا الله"                  " لا غالب إلا الله " ، و في هذا إحالة " لغات"  الجريحة المضطهدة والتي تنتظر النصرة إلا من عند الله عز وجل والتي دخلتها الذات الشاعرة كنبيّ منقذ تستمد قوتها من الله كذات متعالية و مقدسة ، فالتأريخ للنصرة ثم التعبير عنه بالدال اللغوي" أكتب" .          يفصح البياض مرة أخرى عن تواجده عبر فضاء الورق معلنا كينونته في كل مرة فيصبح الصّمت من وراءه تحدي فاعتماد تقنية البياض تومئ لنا إنه إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب .
تتواصل لعبة تفكيك الدوال مفصحة عن نمط جديد للكتابة  أثبت كينونته على الورق  فالعلامات اللغوية المسرودة أخذت بعدا انزياحيا معلنة التفرد والتميز ، فما قيل سابقا كان

تعبيرا عن لواعج ذات تعاني رافضة الوضع المعاش مقررة فجأة ضرورة إعطاء الحلول و ترك حرية الاختيار لمشاهد الوضعية.
" هذي فاكهة الرمل 
         و هذي أزهار الرمل
                وهذا نبع الصحراء
فلتسق إلاهك
      هذا الكاتم غيظا قدسيّا
                 خمرا صهباء" ( ص 61)
تعيش الذات في " غات" مكابدة التوتر وسط اللامبالاة  فالنصرة إلا من عند الله  لذلك نجد مكنوناتها في هذا المقطع الشعري جاءت مجسدة لما يختلج النفس من لواعج الغربة  تتكرر العلامة " هذي " كإشارة محددة و ذاكرة فاكهة الرمل و أزهارها ، فكلاهما ينبتان في نفس الوسط إنه الرمل، و هنا تحدث المفارقة فالوسط  غير ملائم ، فالفاكهة رمز الاشتهاء و الحلاوة، و الأزهار رمز البهاء و الجمال نبتا في " الرّمل" كإحالة للجفاف  ثم تذكر الذات الشاعرة " نبع الصحراء" باعتباره مصدر الارتواء ليأتي الفعل " فلتسق" مخاطبا ذات لابد أنها تسكن " غات"  آمرا إيّاها أن تكون مصدر إرتواء الإله، و هي متصفة  بكتم الغيظ فيصبح الارتواء بـ  " خمر صهباء " .

يتغير شكل الكتابة على الورق مثلما تتغير مكنونات الذات الحائرة فتكون الحلول بين تواجد الفاكهة والأزهار ونبع الصحراء ، فيصدر الأمر بسقي الآلهة الشاهدة على معاناة من يعيش هذا المكان المضطهد أهله.
يواصل المتن الشعري سرد رسالة الذات الشاعرة المعذبة لتخبرنا الدوال اللغوية عن هدفها النبيل  فالشاعر نبيّ شاهد و مؤرخ ، فتغير الكتابة على صفحة الورق يقر إتزان النفس في إصدار القرارات  فبعد التذبذب و كثرة الاحتمالات تكشف المكنونات .
" و لتصغ السمع لعزف الجان على أوتار الغيب ترانيم
   مصائرنا العالقة في النّسيان
   و قل ربّ البدو ، و ربّ الصّحراء أجرني من أحلامي
   الوثنيّة إذ تتعالى حولي كالبنيان " ( ص 61)
تخاطب الذات الشاعرة بالضمير " أنت " آمرة إيّاه كونه يعايش أحداث "غات " بضرورة سماع عزف الجان ، فهذه الكائنات الغير مرئية التواصل معها لن يكون إلا بالسّماع والمدهش في الأمر أن العزف على أوتار الغيب ترانيم ، وعليه فالجان تمتلك القدرة في التحكم لأنها تنبئ بالمستقبل ، وما على الذات السامعة إلا أن تحسن الإصغاء لتخبرنا خبايا القدرمعلنة الحقيقة بأن مصائرنا عالقة في النسيان وهنا تحدث المفارقة فالنسيان المتعارف عليه متعلق بالماضي فكيف صار المصير كمستقبل عالق في النّسيان ؟ وبإثارتنا هذه

التساؤلات تتجلى الأسرار الدفينة و نحن نحاول القبض على دلالات النص المتناسلة أمام قيادة مغيبة " الأب" تاركة الآراء تتضارب ، فالشعوب المضطهدة مصائرها معلقة بشعارات الأكاذيب ما دام أن السّلطة الموحدة لكل الغرب غاب دورها فصار المستقبل             كالماضي يطويه النّسيان قبل أن يأتي.
وتبقى التأويلية كإجراء تسلك مسارات السيميوز  بالمسائلة والمحاورة مواصلة رحلة المغامرة والبحث في تتبع أسرارالمتن الشعري .
" و قل ربّ البدو ، و ربّ الصّحراء أجرني من أحلامي
الوثنيّة إذ تتعالى حولي كالبنيان
أنا " التارقي " اللاهث خلف يقين الملح .
و قهقهة الميزان
أصطاد زنوجا للّهو البشريّ و أشحذ بالصّوّان
خناجر أسلافي
للتيه سلالات شتّى... " ( ص 61)
تناشد الذات البطلة التي آثرت دخول " غات" رغم المآسي " ربّ البدو"                   و " ربّ الصحراء " عبر الفعل " قل" كدلالة على القدسية  وتطلب منها أن تجيرها من أحلامها لتكون الأحلام الوثنية كبنيان يتعالى ولا يتحقق باعتبار الحلم المنشود صار سياج عائق لم يصبو للهدف المنشود ، فالعلامة اللغوية " قل " تفصح عن ضرورة                

الإقرار ، فالواقع المعاش لا يصور أحلاما في ظل غياب سلطة " الأب" الغائب كثنائية  بقيت عالقة من متخيل شاعر بنيّ  ليتقاطع الماضي و المستقبل مشكلا سجنا للذات ملّت معانقة الأحلام ، لتتعالى صرخة الكينونة لحظة الإعلان عن الوجود" أنا التارقي " التي تومئ عن فخر و إعتزاز لهذا الانتماء لكن المفارقة الساخرة جاءت عبر المؤشر          " اللاهث" الذي خلّف يقين الملح كدلالة عدم الجدوى من البحث  نظرا لأن الزرع عديم الفائدة و الرجاء ، فالتارقي يبحث في تقرير مصيره في ظل غياب المساندة ، فالصورة المتمثلة في نصرة المظلومين لم يجسدها " الأب" الغائب الرامز للحق لتكون النتيجة قهقهة الميزان ، "فالميزان" كرمز للعدالة أفصح عن قهقهته الدالة على السخرية من الوضعية المزرية المعاشة في غات نفهم من هنا أن " التارقي " يبحث عن عدالة لا سبيل منها و لا رجاء  فهم فئة كتب لها العناء في ظل عالم لا يرحم ، و ها هو " الشاعر النبيّ"  يعلن تمرده كاسرا أسوار الحقائق المضللة لتكون العلامة اللغوية " أصطاد" التي فيها تحدي صارخ فعملية الاصطياد تخص " زنوجا للهو البشري" ، فالزنوج كفئة عانت التمييز العنصري و التهميش و الإقصاء صارت جزء من مسرحية تذكرنا باللهو البشري الذي يميز الطبقات حسب اللون و الجنس لتعاد الصورة نفسها مع التارقي المهمش الذي يعيش منتظرا أحلاما مزيفة ، فالأحاسيس الإنسانية انعدمت في ظل اللامساواة ، وتعلن الصورة المجسدة عن " شحذ الصوان" كدلالة على كسر حاجز الصمت العربي               فتتحول خناجر الأسلاف صوتا صريحا معلنا ، "فالتارقي" تاريخه عريق منذ القدم ليقرر بعث الأمل رغم يقين البؤس ، فالماضي رغم أوجاعه الدفينة خلّف صورة الصّبر لظلم معاش في واقع راهن ، لتكون النتيجة أن " للتيه" كرمز لتعدد المسالك وتشعبها           دونما نتيجة منتظرة  سلالات شتى من الضياع ، فالمؤشر "سلالات"  يقيظ فينا نزعة اختلاف الأعراف بين المجتمعات ، لنتوقف و نطرح الإشكال أليس الأجدر بنا الالتحام والتعارف بدل الضياع ؟ لنستحضر قوله تعالى في سورة الحجرات الآية 13         : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } .
تفصح تقنية الحذف المعبر عنها بنقاط ثلاث....عن  فتح للجراح ودعوة للتأمل في واقع مر، لتتواصل رحلة البحث عن مكنونات الدوال اللغوية الكاشفة عن أسرار دفينة تحكي قصة التارقي معتمدين دوما إجراء التأويلية التي سننتهجها في البعد الأسطوري الكاشف لثنائية مغيّبة تتمثل في صورة " الأب" المفقود وسط تناقضات
" أبوب العرش مشرّعة ...
 لدعاء النّخل هنا في غات ..
 و الأحجار تسبّح للرّحمان ، بملء سكينتها ...
 و الحيّة تتبع آدم حتّى في هذي الصحراء.
 بكل فحيح غوايتها...
 لا شيء هنا يدعو للدّهشة..
 كل إلاه يسقط في حلبات الحرب..
               يجيء هنا.. و يعيد بناء جسارته ..
               لا شيء هنا يدعو للدّهشة..
              كل شعوب تسقط من قاطرة التاريخ
              تجيء هنا وتعيد بناء هويتها...
              لا شيء هنا يدعو للدهشة " (ص 62)
تفصح الذات المغامرة أن الأبواب الدالة على "الفتح"  و الخاصة بالعرش مشرّعة فكل شيء يدعو للاحتمالات وما تقنيه الحذف المعبر عنها بالنقاط  الثلاث...إلا دليل التيه والضياع وسط تعدد الأبواب  ليفسح المجال" لدعاء النّخل"  فالعلامة اللغوية            ّالنخل" رمز للثبات والعطاء أعطيت له الأحقية ليصبح وسيطا للدعاء في مكان            يدعى " غات" ، إنه الجرح الذي لا يندمل الذي أحسه النخل كمتواجد لا يفنى في هذه الواحة ، فالمؤشر " النخل" علامة شاهدة على وضعية معاشة فهو متواجد  ككينونة حاضرة  ليتبعه مؤشرا آخر حاضر أيضا و شاهدا إنها " الأحجار" المحلية للصلابة        و التي تترآى أنها قدسية " تسبّح" للذات الإلهية الرحيمة وهي مليئة بكل سكينة أيّ هدوء و إتزان، و ما دلالة النقاط الثلاث كحذف لدوال لا يراد البوح بها إلا إحالة لصفاء السريرة لكل من "النخل" و "الأحجار" باعتبارهما وسيطان طلب العون من الذات الإلهية

المتعالية كرمز للعدالة ، فالرجاء المنتظر في هذا المكان بيد الله وحده  فبقية البشر لا يعنيهم ما تعانيه الفئات المضطهدة في " غات" فالحية كرمز لإغواء آدم كما جسدته الأساطير قد واصلت مسيرتها مع باقي ذريته في هذه الصّحراء  مستخدمة كل أنواع المكر آملة بتحقيق هدف كبت الحريات  و إخراج سكان غات من دائرة ضرورة حق تقرير المصير ، ليكون الحذف كتقنية من تقنيات الفضاء البصري حاضرا مرة أخرى بتتابع ثلاث نقاط ... تحيل لعار الصّمت و ما استحضار الحية إلا دليل ما يحاك من نسج لأكاذيب حول مصير هذه الفئات فقد قبل حسب ما ورد في كتاب التوراة التي بين أيدي أهل الكتاب " أن الذي دل حواء على الأكل من الشجرة هي الحية، و كانت من أحسن الأشكال و أعظمها، فأكلت حواء عن قولها و أطعمت آدم عليه السلام"[11] .
فالحية مصدر إغواء حسب ما ورد من أقاويل في الأساطير لأنها كانت حسب خروج أدم و حواء من الجنّة، وما استحضارها إلا دليل معاودة الصورة مرة أخرى.
تحيل الحية في النص الشعري على مكر " العرب" لسكان غات بخداعهم بشعارات لا تجدي نفعا محولا المكان بؤرة شاهدة لعدم الدعوة للدهشة  نظرا لأنه مسرحا للتناقضات  و الاستبداد ، و تواصل تجليات الفضاء البصري فالحذف المعبّر عنه بنقطتين دليل الحيرة وسط المشاكل التي يعانيها سكانها و تجاهل العرب كرمز للأبوة الجامعة لقضيتهم  مجسدة صورة الغرابة في كون كل الشعوب تسقط من قاطرة التاريخ كإحالة للتجاهل والنكران للمجد ليصيرمكانها " غات" رمز الشموخ و الإباء  فكل إله يرمز للعبودية تكتب له الانهزامية في حلبات الحرب  لا يجد مؤنس لمصيبته سوى غات، فهي المكان الذي يبني فيه " شجاعته " مثلما ستبني الشعوب الساقطة من التاريخ الشاهدة و المنسية عبر صفحاته هويتها، و ما النقاط الثلاث المعبرة عن حذف للدوال إلا دليل مسكوت عنه توارى كاشفا مكانا منسيا جامعا لكل المضطهدين فلا شيء هنا يدعو للدهشة ، فالحيز الجغرافي  أبى إلا أن يكون مأوى المظلومين وتتوالى رحلة البوح بالمكنونات عبر ما كتب من دوال لغوية على الورق.
" صقر يهذي.. أو يتلو آيات من قرآن عربيّ
ألقي أقنعتي القرطاجية في صحن المسجد
أخلع أوردتي ، و أصلي صلوات الخوف...
                               وداعا غات ..." ( ص 62)              
تفصح العلامة اللغوية " صقر" عن طائر جارح يحسب له عادة ألف حساب ، لكن المفارقة تكمن في كونه " يهذي" فالهذيان يصحب المريض نتيجة الحمى لذلك فنحن نربط هذا الصقر بكلام الأب المغيّب المتجسد في العرب التي لا طائل من كلامها ، فأحيانا تقف مع المظلومين صوتا كثنائية حاضرة  و صورة كثنائية غائية و أحيانا أخرى تتلو آيات قرآنية فكأنما كُتِبَ "لغات" مناشدة الأحلام الضائعة  فلا شيء يظهر جليا في الساحة الواقعية

المعاشة حينها يكون قرار النبيّ الشاعر إلقاء أقنعته القرطاجية الرامزة للتخفي باعتبارها لم تجد مساندة فبقيت مزيفة داعية قولا لا فعلا  ليكون مكان الإلقاء صحن المسجد كدلالة قدسية المكان الرافض للحقائق المزيفة فلا مساندة ، " فالأب" المحيل للعروبة غائب صورة و حاضرا قولا لا فعلا ليتبع الإلقاء قرار الخلع للأوردة ، فالوريد الناقل للدم هو إحالة للروح المنتزعة بإلقاء الأقنعة القرطاجية  الرامزة للأصل والمنبت فيقرر الخشوع أخيرا بصلاة صلوات الخوف الدالة على تنبئ الذات الشاعرة بمصير مؤسف لغات ، و ما الدلالة النقاط الثلاث...إلا إحالة على غيب يحمل التضليل فتأتي النهاية مؤسفة إنه قرار الانسحاب بإعلان الوداع ، " وداعا غات.." ، فالحلم و الأوهام تلاشت مع تدارك الواقع المرير حيث إن  السلطة الموحدة للعرب كسلطة أبوية لم تنصف الحق لتكون النهاية مفتوحة ، فتأويل النقاط الثلاث ... يحيلنا لمصير مجهول طوته صفحات التاريخ المنسية  ليعيش سكان غات قوقعة العزلة نتيجة عيشها المفارقات والجور وهذه الترسيمة توضح لنا تناسل الدلالات.
 


            قرار الشاعر نصرة المظلومين                         النتيجة المستنتجة
غات        بدخوله " غات" كحلم يراوده                 - قلع الذات الشاعرة الاقنعة
          موانع تحقيق الحلم     – الحية مصدر الغواية    القرطاجية في صحن المسجد
مكان مقدس                         ترمز للفتن العربية         - خلع الاوردة
شبيه بجدران الكعبة               - كلام العرب شبيه           - صلاة الخوف
    - أحجار تترائ سوداء            بالهذيان         - تبخر الحلم بإعلان وداع" غات"         
   - طين لم تصهره تنانير الخزافيين                                    
تكشف البنية العميقة عبر تفكيك الدوال معاناة الاضطهاد الذي تعانيه " غات" وسط صمت عربي ، فالواحة الصحراوية عريقة ومجيدة ما يجعلها تفخر و تعتز بتاريخها ولكنها تعاني حق تقرير المصير فتتجلى ثنائية الحضور والغياب مجسدة في صورة تبدو للعيان ظاهرة  إنها صورة "الأب" التي تحمل عبر البعد الأسطوري دلالاته المجسدة في مكانته منذ آدم عليه السلام  و تعرضه للفتن فيصبح حضوره شكليا بشعارات واهية لعرب لا تعرف إلا الكلام والشعارات و غائبة كصورة فعلية تنصر الشعوب المضطهدة المظلومة تتواصل رحلتنا الباحثة عن دلالات " الأب" المغيّب لنقف هذه المرة مع النّص المعنون " "ثلج الغابات" و الذي وقفنا عند دلالات عنوانه ، و سيكون البعد الأسطوري مرتكز الدراسة غير متناسين مظاهر تقنيات توظيف الفضاء البصري ،نجد في الوهلة الأولى خصص الشاعر الإهداء " إلى المنصف الوهابي" و لعل هذا  الشاعريمثل صوت الحق الباحث عن الحقيقة وسط الضبابية المعاشة في واقع مر، غيّبت فيه صور" الأب" القائد والباعث لضرورة التمسك بالقوة و الصلابة.
يفتتح النص الشعري بمكنونات معبرا عنها بهذه الدوال اللغوية.

" هذا نشيج السنديان
في الغابة الثكلى، وتلك القيروان...
مفتوحة و نساؤها يلطمن بالخمر الجياد
فمن يغيث السنديان ..." ( ص 31).
يحيلنا إسم الاشارة " هذا " مباشرة للمشار إليه  إنه نشيج السنديان ، وهنا يطرح التساؤل لماذا هذا الحزن العميق؟ فالنشيج كرمز للبكاء الحارق منسوب للسنديان كرمز للصلابة  فتبرز المفارقة فالمكان المتواجد فيه هذا السنديان هو الغابة الثكلى فهي مكان غاب عنها أنيسها  فما كان من السنديان إلا الحزن للوعة الفراق وبجانب الغابة هناك القيروان التي تلتها ثلاث نقاط... كإحالة لمجاورتها لمكان الأحزان ، و بنظرة ثاقبة نجد العلامة اللغوية " الغابة" و " القيروان"  تربطهما علاقة تشابه باعتبار التجاور،  يتواصل السرد مظهرا المعاناة المشتركة ، ففتح القيروان كشف نساء يلطمن بالخمر الجياد، وهنا تبرز مفارقة ساخرة أخرى عبر لعبة الدوال اللغوية المتواجدة في البنيات السطحية فتلطيم الجياد عادة للنساء الجاهلية اللواتي كنا يلطمن الجياد بنفض التراب حزنا على فراق الأهل و الأحباب و لكن الصورة المعاكسة أن نساء القيروان المجاورة لهذه الغابة الثكلى يلطمن بالخمر الجياد وعليه نتساءل فالخمر كمصور للنشوة وهوى النفس صارت صورته المضادة هو التعبير عن الأحزان، انطلاقا من هنا يفصح النّص عن سؤاله المتبوع بنقاط ... كتعبير

عن مسكوت عنه أبى إلا عدم البوح وسط أحزان ستكشف أسبابها مع التفكيك و المسائلة  فالسؤال المطروح يجعلنا ندرك حجم المأساة، فالسنديان كرمز للصلابة والقوة المتواجدة في الغابة محاصر يطلب النجدة ، لتكون النقاط الثلاث كحذف معبرا عنه على صفحة الورق فيها تحريض للمؤول للغوص في خفايا السّطور الشعرية.
" للأرض فتنتها ، و للتاريخ بطش الأبجدية فاصدق
الإنباء يا سيفي لقد بلي الكتاب ، و قادنا راوي الرّواة
بمكره لمصائر مصقولة، للأرض فتنتها... و للغابات
ذئب حين يعوي تسجد الأشجار..." ( ص 31).
تفصح الذات الساردة عن فتنة الأرض و بطش الأبجدية للتاريخ ، فالأرض كمكان للاستقرار شهدت الصراعات والفتن منذ أن وطأتها الخلقية، كما أن التاريخ حرفته الأبجدية في كثير من الأحيان بتضليلها للحقائق
تقر الذات المعبرة عن الوضع بصدق أنباء السيف  فزمان الكتابة و الروايات قد ولى وقادنا راوي الرواة بمكره لمصائر مصقولة كإحالة لغياب و تضليل الحقائق ، ليتكرر المؤشر " للأرض فتتها " كدلالة على تأكيد الصراعات المتواجدة  في كل مكان و زمان وما للنقاط الثلاث ...إلا إحالة عن مسكوت عنه مغيّب ، فالحزن المخيم لا يحتاج            الكلمات  إنه يريد الفصل بلغة السيف و هنا تصير اللغة المعبر عنها هي الفعل لا القول   فالنقاط الثلاث ...فيها دلالة عن معاناة لا حصر لها جراء الفتن.
يتكرر الدال اللغوي مرة أخرى "و للغابات" رامزا مباشرة للحزن الصامت، فهناك " ذئب" يرمز للمكر و الخديعة يعوي  لتحدث المفارقة، فعواء الذئب دليل عن جوعهورغبته في           الافتراس  فتنجم النتيجة المرة ، فالأشجار المحيلة على الصمود و الثبات ترضخ و تسجد أمام فراسة ودهاء الذئب الماكر، و ما النقاط الثلاث الواردة بعد الفاعل " الأشجار" إلا دلالة على ظلم متسلط تحركه فتن أمكنت الذئب الماكر من السيطرة وتواصل             الذات سرد معاناة الغابة كاشفة عبر البعد الأسطوري دلالة " الأب" المغيّب الشاهد صورة و الغائب فعلا .
" الأرض محنة آدم و عقابه القدسي
نزرعها شعيرا للخيول و حنطة الفاتحين
و الأرض – أرض الله – مهدها الى حين ..
و من آياته أن أسدل الظلمات أردية لأشجار
الصنوبر حين تغفو ثم تحلم باليقين..
و بانتشار الدّفء يا ليل الصنوبر دثّر الغابات
 دثرني بما شاءت قريش ألم يكونوا المنذرين
بالبطشة الكبرى ، و قد بطشوا .. و كانوا الفاكهين
في نعمة الايلاف ...و الفتح المبين.." ( ص ص 32-33)
يحيلنا المؤشر اللغوي " الأرض" للمستقر، و لكن الإشكالية واقعة في اعتبارها المحنة التي لاحقت " الأب" الأول للبشرية ، فقد صارت عقاب قدسيّا بعد ذنبه و حرمانه جنّة الخلود  فالصور الملاحقة " للأب" منذ الخليقة هي اتباع الإغواء فقد ورد حسب ما قيل من اساطير ان الحية كما ذكرنا سابقا هي سبب خروج آدم و حواء من الجنة  رغم أن الآيات القرآنية المذكورة تؤكد إغواء ابليس لهما قوله تعالى في سورة البقرة الآية 36 {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ }.
تستحضر صورة المعاناة مع زراعة الأرض شعيرا للخيول ، فالمؤشر " الخيول" يومئ للفروسية لكن هل هناك من فرسان؟
يحيلنا اختيار" الشعير" للزراعة للإشباع و إسكات الجوع  فكأنما صورة الفروسية حاضرة صورة وغائبة فعلا ، فالأب كفارس مغوار تخلف ، و غاب دوره في السّاحة الدولية فالأرض الرامزة للآمان أسكتت الخيل بالشعير كي لا ينادي الفارس كما تم زرعها بحنطة للفاتحين كي لا يجرؤ أحد في خوض صراع المطالبة بنصرة الحق ، و يتكررالمؤشر "الأرض" معلنا حق الله الذي أعطاه فلا يحق لأي كان أن ينزعه  ليكون القرار قراره في فصل الأحقية ، و ما دلالة النقطتين الا دليل مسكوت عنه  تجسد صورة مغيّبة للأب المتخفي و الرافض لضرورة المجابهة  لذلك فاستحضار صورة " آدم " الأب الأول للبشرية يومئ لأسطورة المنشأ التي ترى في الأرض محنتها الأزلية ، فيصبح النص الشعري المعتمد للبعد الأسطوري يستند أساسا إلى فكرة الانزياح  (Dis placement ) ، و هذا ما ذهب اليه نور ثروب فراي ......... الذي يعتبر الأدب بالنسبة إليه هو " أسطورة منزاحة عن الأاسطورة الأولية التي هي الأصل ، و هي البنية و كل صورة في الأدب مهما تراءت لنا جديدة ، لا تعدو كونها تكرار لصورة مركزية مع بعض الانزياح ، و مع مطابقة كاملة أحيانا اخرى " [12] .
تومئ الارض كمنشأ إلى محنة أزلية كتبها " أبو البشرية " الأول "آدم" لتكون آيات الله أردية لأشجار الصنوبر ، فالعلامة اللغوية " الأشجار" تحيلنا للثبات و الصمود ، و لكن المفارقة تتجسد في الظلمات التي اُسدلّت كأردية لها فالظلمة الحاضرة تجعلنا نستحضر النور المغيّب ، فالنّهار كنور يومئ للاستيقاظ و مباشرة العمل، و لكن "الليل" كظلام يجسد واقع النوم الحاصل الذي تعقبهأحلام باليقين ، لتكون النقاط المحذوفة ... كدلالة لمسكوت عنه لا يراد الإفصاح عنه ، إنه الواقع المضطهد المسكوت عنه ، فغياب القيادة المتمثلة في القائد الأب الحكيم الذي يجمع أمة العرب الواحدة  جعلت الأوضاع تتأزم ليسفرالحلم بانتشار الدفء ، فالنداء مخصوصا لليل كشاهد على الوضعية المعاشة و هو خاص بالصنوبر  الذي سيكون مفتاح اليسر للغابات التي ستنعم بهذا الدفء مع الشاعر الداعي لضرورة معايشة الواقع المر بالمجابهة ، فرغم غياب " الأب "عن أرضه التي شهد فيها المحن و المذكرة إيّاه بمآساة آدم بحرمانه من الجنّة ، إلا أن الحلم ما زال يراود ذات شاعرة داعية بضرورة معايشة المآسي لمحوها ، فقريش شهدت غزوات النصر رغم قلة المسلمين ، فلماذا نترك الظلام يخيم على واقعنا  دونما حراك منا ؟
ينبئ تتبع النقطتين كحذف .. تخلل أسطر الشعر عن مسكوت توارى خلف أسوار اليقين فالمجابهة هي خلق للنص  ففلسطين ملّت الشعارات الصامتة الخانقة وهي تنتظر قائد مغوارا جامعا لكل الأمة.
تحلينا البنيات العميقة و نحن نتتبع مسارات السيمور الباحثة عن التجليات الأسطورية المحية لغياب " الأب " كمحرك فعالا في فعالية ضرورة الفعل لا القول إلى ضرورة كشف قناع التزييف الحاصل فشعارات الشكل لا تعكس موقفا فعالا ، لذلك كانت هذه النّصوص الشعرية المختارة تصبّ كلها في مصبّ واحد و هو ضرورة حضور " الأب " كسلطة قيادية جامعة .
      

تتواصل رحلتنا الباحثة عن اغوار النص لنقف هذه المرة مع محطة التجليات الدينية التي سوف نبحث فيها بتتبع البحث و المغامرة لكشف دلالات " الاب " المتخفية وراء الدوال اللغوية المتمظهرة فنولوجيا .
ثانيا : مسار التجليات الدينية : سنبدأ رحلة الكشف عن التجليات الدينية بالنص الشعري المعنون بـ " برنس" ، يبدو هذا الاخير قليل الدوال اللغوية و لكن القلة لا تعني عدم الافصاح عن المكونات ، فالمؤشر " برنس " كمؤشر يحمل الكثير من الدلالات المتخفية وراء السطور الظاهرة شكليا.
       و قد تم اختيارنا لبعض النصوص الشعرية التي تم فيها حضور ما يدل على خاصية من خصائص ما يعرف بالتجلي الديني ، و الحضور قد يكون تاما – أي مفصلا ، أو جزئيا ، أي حضور ما يدل عليه من خصائصه.
       سنتناول بالدراسة " النص الشعري " الذي وقفنا عند دلالات عنوانه سابقا " برنس " ، و ستكون و جهتنا القبض على دلالات " الاب " المتخفية وراء البنيات الشكلية للنص ، يفتح النص بالقول :
       " برنس الأب – رغم عماء البرانس.
       يرمقني بإزدراء و غيط
       فأهرع للغار
مخفيا سحنتي في غشاء من الطين..
هبني جناحين يا أبت ..
سوف آتيك من سبإ باليقين " (ص 37)
يعلن النص الشعري منذ بدايته عن صاحب البرنس انه " الاب " ، و في هذا احالة للاصالة ، فهو عنوانا للتقاليد المتوارثة ، لكن اللافت للانتباه هو ظهوره البارز للعيان رغم اختفاء البرانس الاخرى ، فيصبح اذن برنس مميزا عن الاخرين ، فالعماء كمؤشر منسوب للعيون ، انزاحت دلالاته بنسبته للبرانس ، ليطرح التساؤل ما الذي جعل العمل يصيبها ؟ و لماذا تجلى برنس الاب عن البقية ؟ هذا ما سنحاول كشفه بالمسائلة و المحاورة للدوال اللغوية ، تحيلنا الجملة الفعلية يرمقني بازدراء و غيط ، لتحول الذات المرتدية لهذا البرنس للذات سالبة كونها و كلت مهمتها للمؤشر " برنس " ليتحول لعين لا تعرف الا الرمق بحقد فكانما هذا الستار يخفي حقائق لا يراد الكشف عنها ، فهو يرى الا من يريد المواجهة لتكون الذات المضادة تشكل عائقا له ، فما كان منها الا الهروع للغار فالكره الناجم من الاب المتخفي ، كانت نتيجته خوف الذات الصامدة و جعل الغار مكانا للاحتماء ، و هنا نستحضر اهمية " الغار " كمؤشر يحيل للامان ، فمحمد صلى الله و سلم عليه و سلم كان يتعبد به هروبا من كفر الجاهلين ، لتكون العلاقة وطيدة بين صوت الحق و الغار كونه ملجأ المظلومين الرافضين للظلم ، فتكون المفارقة الساخرة جلية " فالبرنس " الرامز للقوة و الفخر ، صار رمزا لتعطيل كلمة الحق ، " فالاب " الرافض للمواجهة و المتستر باللامبالاة يؤمئ للعروبة المبتورة ، ففلسطين تتألم امام صمت عربي خانق ، لتكون الذات الشاعرة المجابهة لم تجد ملاذا للهروب من حقد القيادة المضللة المجسدة في الأب سوى الغار الذي أخفى فيه سحنته في غشاء من طين كإحالة لاصل الادمية الاولى ، فالإنسان مخلوف من طين ، قوله تعالى في سورة "ص"  الأية 71 :{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ } .
يحيلنا الطين للمنشأ الأول للخليقة لذلك فهو ساتر العيوب ، فلم يكن إلا السبيل للإخفاء .
و ما دلالة النقطتين..إلا دليل مسكوت عنه لا يريد ذكر عار عرب لا تعرف سوى الازدراء و شعارات لا تفي بالهدف المنشود ، إذن هناك مسؤولية تملص منها الأب المسؤول المجسد في العرب الصامتة ، و رغم ذلك فالشاعر كنبي للأمة يأمل رجاء من        " الأب" المتملص بأن يمنحه جناحين ، و لعل الفعل " هبني" فيه أمر لإدراك قوة المأمور فهو يبصر و ليس كغيره ، و لذلك فمن حقه أن يمتثل ، و لعل النقطتين .. فيهما إحالة لقوة جبارة مسكوت عنها، وهنا تفصح الذات عبر دوالها اللغوية عن رسالة                 الشاعر، فهو يحلم بإتيان الحقائق دونما تزييف ، ليتم إستحضار الهدهد الذي أتى لسليمان عليه السلام بالخبر اليقين ، قوله تعالى في سورة النمل الآيات 20، 21، 22  : {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) .
يحيل " الهدهد" لرمز الأمانة و الصدق في إتيان الأخبار، فحسب ما ذكر " تفقد سليمان الهدهد فلم يجده ، فأقسم بأن ينزل به القصاص على غيابه من غير              إذنه، و لكن الهدهد مكث في مكان قريب من سليمان خوفا منه ، و خاطب سليمان ذاكرا له أنه ذهب إلى اليمن ، و رأى فيها عجبا ، و أخبره ما كان من أمر ملكتها بلقيس    و كيف يعبدون الشمس "[13] .
يومئ الاستحضار أن هناك مملكة فيها ظلم كبير يمارس، و لعل الخبر اليقين متجسد في اليهود التي إغتصبت أرض ليست من حقها، و شردت أهلها الأصلين ليزداد الظلم بعماد العرب رغم ما تحمله من إنتساب لفلسطين ، لعبر الشاعر بلغة الشاعرية عن آهات مسكوت عنها، عبرت عنها المؤشرات رغم قلتها ببراعة فائقة ، صورت عبر تناسل دلالاتها عار العرب و صمتهم ، و لعل هذه الترسيمة تمثل لب ما أرادت الذات الشاعرة قوله :
                     يمثل تستره على       النتيجة : كره لكل مثقف يريد كشف الحقائق
                      الظلم الحاصل 

المشارك

ايصال رسالة الخبر اليقين
 
      المحلية لدول عربية     الملاذ و الحل  عند                  دوره                                           
               عمياء                                               
                                                      
نستخلص من الترسيمة المبينة أن الذات الشاعرة هي الناقلة للمأساة ، و التي تنتظر حلما منشودا ، و هو صحوة العرب و رؤية الحقائق.
نواصل رحلة البحث عن الدلالات الدفينة القابعة خلف سطور المتن الشعري لنقف هذه المرة مع النص الشعري المعنون " بنجم" و الذي وقفنا عند عنوانه سابقا كمحطة أولية للانطلاق في التسلح بإجراء التأويلية.
 يبدأ النص الشعري البوح بدواله اللغوية.
" كورت شمسنا يا أبي .
 أنكدر النجم
 سجر بحر الشمال .." (ص 25)
يحيلنا الخطاب الشعري مباشرة لتناص مع القرآن الكريم ، فالدوال اللغوية المعبر عنها : تجعلنا نستحضر الآيات 1، 2، 3، 4، 5، 6 من سورة التكوير قوله تعالى : {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2)  وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) } .
يثير فينا هذا التناص القرآني المستحضر في الأبيات الشعرية التساؤل ، فقد ورد في تفسير سورة التكوير بأن معنى كورت " هو التلفيق على جهة الاستدارة كتكوير العمامة و في الحديث نعوذ بالله من الحور بعد الكور أي من التشتت بعد الألفة و الاجتماع...فعبر عن إزالة النور عن جرم الشمس و صيرورتها غائبة عن الأعين.... و ثانيها إنكدار النجوم أي تساقطها و تناثرها و الأصل في الإنكدار و الانصباب و كل متراكب ففيه كدورة ....و يروى في الشمس و النجوم أنها تطرح في جهنم ليراها من عبدها ....تسجير البحار أي تنشيف ما فيها من الرطوبة حتى لا يبقى فيها شيء من المياه "[14].
يومئ إستحضار مظاهر يوم القيامة من تكوير للشمس ، و إنكدار للنجم بمعنى تساقطه ، و تسجير للبحر كإحالة لنفاذ الماء، لزمان شبيهة مظاهرها المعاشة بهذا الهول المتوقع ، " الأب" كمؤشر يحيلنا للأصالة و القوة صار يشكل دوره إترتياحيا دلاليا يحمل مفارقة ساحرة ، فاللوم يبدو جليا بالجمل الفعلية التي كلها حركية و نبد للثبات  فالافعال كورت ، إنكدر ، إنسجر تلعب دور العلامات الفاعلة و الثورة الصاخبة ، "فالأب"           هو الذي أحال نور شمسنا كونه المتسبب في التكوير ، ليكون التشتت بعد الألفة، فلماذا يا ترى فقد الأب مكانته؟ أكانت قوته مصطنعة ؟ تم أن تكوير الشمس التي من حقنا         جميعا ، نجم عنه تناثر النجم المضيء ، أما بحر الشمال فقد نفذ هو الاخر، لتكون رموز القوة المجسدة في الشمس ، النجم ، البحر، إنزاحت عن دورها الفعلي لتتحول رموز للضعف ، فالقمر و بعد أن كان رمز الإضاءة نجده تناثر و تساقط ، أما بحر الشمال فقد نفذ ماءه الرامز للحياة و هذا كله حدث نتيجة لا مبالاة " الأب" ، لنجد الذات الشاردة تأسف و تخاطبه و تلومه بإعتباره من يلم الشتات فهو الرامز للقيادة و لكننا نجد العكس النقيض ، وما دلالة النقاط الثلاث إلا إحالة لمسكوت عنه آبى إلا أن يخلف فضاء للصمت بعد تحول الدور الفعال للأب لدور سلبي غير متوقع، و نبقى نساءل و نحاور الدوال اللغوية لعلنا نجد ما يشفي غليلنا في عملية البحث و التفكيك و المحاورة متسلحين دوما بإجراء التأويلية :
             " أين نذهب يا أبت ....
              أين نخفي الرسوم
              و كيف نقود الظلال ...
              قبل أن تختفي الريح..
              ثم تسيل الجبال .." ( ص 25)
تطرح الذات السائلة سؤالا موجها للأب كونه المسؤول ، عن مكان للاستقرار وسط مظاهر الفوضى و الهول ، من هنا تكشف البنيات العميقة عن سرها الدفين " فالأب" كمؤشر يحيلنا للعروبة كقاسم مشترك لكل العرب، بدل أن تكون مصدر للتوحيد تحول كرمز للتشتت و الفرقة، لتكون فلسطين جرح لا يندمل تعاني البطش من العدو ، لتحيلنا النقطتين .. لحصار الذي تعانيه الذات الفلسطينية ، و يبقى الاستفهام محركا فعالا لمجابهة " الأب" فالسؤال المطروح " أين نخفي الرسوم؟ ففيه سخرية واضحة ، فالذات تسأل عن العار الواضح الذي خلفه العرب، فثار اللامبالاة جليا ، فالعرب ساهمت في داء بدل إيجاد الدواء ، ففلسطين تعيش فوضى الدمار وسط تضليل للحقائق ، و هنا يطرح تساؤل آخر عن كيفية قيادة الظلال كإحالة عن أوضاعنا المضللة فشعاراتنا مجرد ظل واهم لم يجد نفعا ، لتكون النقاط الثلاث... دليل سخرية مسكوت عنها، فالريح مؤشر يحيل على الضياع و التيه، صار مساهما في قيادة الظلال كآثار نوجهها إلا في وقتها ، و في هذا إحالة لشعارات تتقنع بها العرب أثناء مجازر اليهود، لتهدأ فيما بعد ، لتكون نتيجة اللامبالاة سيلان الجبال، و في هذا إحالة لانهيار الصمود أمام تشتت العرب، ليتبع الدوال اللغوية نقاط ثلاث دليل الحسرة و الأسف على أوضاع صنعتها و أسهمت فيها عرب لا تهمها الذات الفلسطينية، و يتواصل السرد بالدوال اللغوية منهية النص الشعري بالقول:
" كورت شمسهم يا أبي
فلنقايض سيوف الجنوب بملح الشمال..." ( ص 25)
يتكرر المؤشر " كورت" مرة ثانية ، منسوب " لشمسهم" العائدة على ضمير الغائب " هم" التي يحص بها الفلسطنيين ، كون أن هذا " الاب" عمل على تشتيت كلمة الدول العربية فما كان من جرج هؤلاء المظلومين إلا أن إزداد ، فإزالة النور عن الشمس الجامعة بالتشتيت عمل على تعطيل مجريات الحقائق بالتزفيت لتكون المعادلة الاخيرة المقررة هي مقايضة سيوف الجنوب كإحالة للدول العربية التي تؤمن بالشعارات كمقابل لوعود دول لا جدوى منها فلن يتحقق وعدها مثلما لن ينبت الملح، لتكون النقاط الثلاث ... دلالة على مسكوت عنه ابى الا الصمت مادامت ان قرارت الدول العربية هي كملح لن يزهر لانها خادمة لطرف واحد هو " اليهود " ، تكشف البنيات العميقة عبر دوالها اللغوية عن خذلان العرب و تنصلهم من مسؤولياتهم اتجاه فلسطين الجريحة ، فالعلامات اللغوية مثل : كورت ، انحدر ، سجر ، تذهب ، تختفي ، نفوذ ، نقايض دليل على سخرية و تهكم لمؤشر لغوي يحرك كل اطراف اللعبة انه " الاب الظالم" ، المنتج للدلالات اللغوية نحوية المحرك لكل المتغيرات فهو الفاعل الذي انجرت عنه النتائج ، و لعل هذه الترسيمة توضح ذلك : 
                                       
                                                                    التكوير        
             يحيل            للعروبة المشتة انجر عنها             الانكدار
                                                                    التسجير
                                                                    ضياع المكان
             النتيجة         اللوم و الحسرة انجر عنها            اختفاء الآثار   
                                                                   غياب القيادة
                                                                    انكسار الصمود
تحيلنا الترسمية لمعادلة لا متوازية المتسبب الأول فيها الأب كقيادة معنية تجسد صورة العرب ، و النتيجة قبول قرارات الاخر ( اليهودي ) بمساندة الغرب و الخاسر الأكبر هم الفلسطنيون .
تبقى رحلتنا متواصلة و نحن نتقصى عن دلالات " الأب" المتخفية وراء السطور لتكون لنا وقفة مطولة مع قصيدة " مت يا أبي " ، و هي اكبر قصيدة من حيث السرد للمعاناة الواقعة ، و قد وقفنا عند عتبة العنوان سابقا كبوابة للولوج للمتن الشعري ، واختارنا هذه القصيدة كأنموذجنا لكشف مسارات التجلي الديني من خلال الوقوف عند مسار تقنيات توظيف القصص القرآني و مسار توظيف قصص الانبياء و مسار القصص التاريخي و كلها تصب في مصب غياب " الاب" كقيادة ، و تسلحنا دوما بسلاح التأويلية كمحرض للقراءة ، و قد تم إعتمادنا على أغلب المقاطع الموظفة لهذه التقنيات ببراعة محكمة ، و التي آثرنا خوض غمارها بكل جرأة آملين الغوص في أغوار البنيات العميقة، لعلنا نجد ما يشفي غليلنا .
    " مُتْ ابي
    كي احتمي بظلال عرشك من ابي
    الشمس تنهشني و لم اسجد لغيرك
   لم اصدق ان في الدنيا الاها جاء قبلك
   فانصرف عني قليلا كي ارى ما حل بي
  مت يا ابي " (ص 64)
يبدأ النص الشعري بجملة فعلية ، تفصح أول علامة لغوية لها بفعل يدعو للموت و هي موجهة لأقرب قريب إنه " الأب" الرامز للانتساب و الفخر ، إذن يحرض المؤول فينا ضرورة التساؤل ، لماذا صدر هذا القرار يا ترى؟
لتواصل الدوال اللغوية البوح عن مكوناتها ، فالذات تعلل قرارها ب" كي" التعليلية لتبرر نفسها و تنصفها لاتخاذها هذا القرار ، إنها الرغبة بالاحتماء بظلال العرش الخاص بالأب من الأب في حد ذاته ، و هنا تبرز المفارقة الساحرة فالموت كحل نهائي معلل بسبب واهي، فالضلال رمز التيه إنه الأثر لا الأصل كما أن العرش كسلطة لم يعد منه إلا ظلال نتقفاه ، ثم أن الحماية بهذا التضليل هي في الأصل للأب الذي نريد التخلص منه، إنه الاحتياج و رغم ذلك هناك التملص ، ليكون قرار الموت جاء إكراها ، فالحتمية إقتضت ذلك ، فهي ذات مكبلة تريد الحماية فلم تجدها في حياة الأب، فطالبت بموته لعلها تجد في آثاره هروبا و حماية تبعث الأمل، و هي تسرد ماساتها ، " فالشمس " رمز الضياء و النور صارت تنهشه، فكأنما الذات تناشد الظلام فتكشف الشمس لها الاضاءة و تدعوها للتأمل ، و رغم هذا فالذات لم تسجد إلا لهذا " الاب" ، إنها الصرخة بالانتماء الذي أتبعه خذلان، فما كان الموت إلا قرارا حتميا ، و تتواصل حكاية الذات المصدقة لهذا الانتماء رغم الدعوة بالموت، لترى في هذا الأب " الأصل" الذي لم يوجد قبله إلاها كونه مقدسا ، و هنا يصدر القرار بإنسحابه كونه سلطة جاثمة كالصخر مكبلة للذات المشاهدة التي تعيش و هم التضليل ، لتكرر العلامة اللغوية مرة أخرى" مت يا أبي " إنه الحل الامثل لهذه الذات التي ستكشف آلامها عبر الدوال اللغوية آملة أن تجد تبرير لما يحصل .
" وحدي أفتش في صحاري البدو أبحث عن أبي
هذه عصاه كما هي؛
و غنائم الغزوات و السيف المضرج بالدماء
قد كان يفتح كل يوم قرية و مدينة...
يسبي النساء .. و يذبح الاطفال
ثم يشيد مئذنة و يترك أولياء...     
              و أريد أن ألقاه حتى أصدق إنه أبت
             و لكن لا لقاء و لا إلتقاء " (65)
تكشف الذات الراوية عن وحدتها فهي المسؤولة  بمفردها عن التفتيش في صحاري البدو عن الاب فالضياع قدر محتوم لابد من خوضه فلا مجال إلا البحث، فالاب المغيب تملص من مسؤوليته حتى صار موته حلا مشروعا ، و هاهي الذات الشاعرة التي لا تكل و لا تتعب قد وجدت شيء من آثاره إنها العصا لكنها كما هي فلا تغير حدث لها رغم مرور الزمن فكأنما لا دور لها، لتسفر النتائج المريرة عن ما لم يكن في الحسبان لا لشيء إلا لان هذا الاب مغيب لا دور له،  فالخيرات تستنزف ، فالعراق كعصفور من هذا الاب حوصرت و حرب الخليج الثانية قد كشرت عن أنيابها معلنة مآسي أخرى لهذه الامة الغير موحدة فهي مشتة بعد تملص العروبة لاصالتها : فالعرب ككتلة موحدة صارت لا يهمها أن تجمع كلمتها ، ليكون السيف المضرج بالدماء كحقيقة مرة متجرعة الحد الفاصل لاخر يعلم غياب " الاب" فأراد أن يستغل و يتخذ كل السبل للاحتلال و الحصار و سبي النساء و ذبح الاطفال ، لتكون كل نقطتين ...إحالة لمسكوت عنه عد عار لو ذكر فتوارى و جب عن الكلام و ثمن هذا البطش هو تشييد مئذنة كإحالة للمكر و التخفي ، ليترك أولياء تعاني و في هذا أكبر عار لتملص " أب" لا يحمل إلا إسما لانه بلا دور و ما لنقطتين إلا دليل حسرة و آهات لعرب باعوا العروبة ، و هاهي الذات الحالمة تريد ملقاة الاب لعلها تصدق أنه أب كونه لا يحمل صورة و لا موقف دال على ذلك، و لكن لا جدوى إنها رحلة التيه و الضياع فلا لقاء و لا إلتقاء بينهما ، لتدرك الحقيقة متأخرة عن مكان تواجده .
              " فأبي بكل قبيلة .
             يضع البنود لكل مجزرة
             و يشرب ما إستطاع من الدماء
             مت يا أبي
             لأكون فحلا في الرثاء" ( ص 65)
يتواجد الأب بكل قبيلة إنه الرابط الجامع بين كل الامة و لكن الاشكال انه يصنع البنود لكل مجزرة فكأنما هو باعث الجور و حامل لواء الغدر و الضغينة فهو سلبي يندد بالبنود متملص من مسؤولية فعالة : و ليس هذا فقط فالفعل يشرب يكشف العار اللاحق به فهو يرتوي بالدماء و لا يهمه ، لذلك كان القرار بموت الاب ، إن البنية العميقة لتكشف عبر دوالها خيانة الامة العربية برؤية مأساة العراق و فلسطين دونما ردة فعل، فتكون صيحة الذات الشاعرة بضرورة الموت لتكون معتزة بالرثاء لان رغم كل شيء الخائن هو عروبة ننتمي لها جميعا لتفصح الورقة البيضاء عن مساحة لا بأس بها من البياض كحسرة عن قرار محتم فرضته خيانة ظاهرة تتوارى و لكنها مكشوفة ، و هاهي الذات تكشفها بالقول .
" يلقي عصاه فلا العصى تسعى .
و يريد مني أن أصدق إنها أفعى " ( ص 66).
يوهمنا الاب بالحلول فكأنما يسخر من سذاجتنا ، فيلقي عصاه مثلما ألقاها نبينا موسى عليه السلام و لكنها لا تسعى ، لان النية المبيتة لهذا الاب خبيثة فهو يتظاهر شكليا بالحلول فكأنما يريد من الذات الشاعرة أن تصدق إنها أفعى مثل عصا موسى السحرية التي جعلت السحرة يخرون سجدا لله قوله تعالى عن معجزة العصا في سورة القصص الآية 31)وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ(31) ( .
جاءت هذه المعجزة دعوة للحق و عبادة الله فهذه العصا لما ألقاها موسى  " فإذ هي حية تسعى ، عظيمة الجثة في خفة حركة الجان ، فلما رآها موسى ولى هاربا ، و لم يعقب ، فنودي : يا موسى لا تخف ، فسنعيدها سيرتها الأولى عصا ، و إنما أمره الله بإلقاء العصا حتى إذا ألقاها عند فرعون لا يخاف منها ... " [15].
إذن شتان بين عصا الحق و المعجزة ، و عصا العار و الخزي التي لا جدوى منه سوى الظاهر الذي لم ينفع و لم يغير من الحقيقة المؤسفة شيئا .
و تواصل لعبة تفكيك الدوال كاشفة الاسرار الدفينة لخيانة هذا " الاب " الذي ننتسب اليه شئنا او ابينا عبر البوح عن الحقيقة المرة .
             " ضاق الشمال بضلنا .. و نائى الشمال ..
             و لسوف ندركه لنخبرها الحقائق
             عن جنون البرتقال
             في غابة الأسلاف لا تسأل سيجعلنا السؤال
             اسرى الجواب و في الرواية ما يبرر حتفنا ..
             ليطيب للراوي التناسق في المواعظ و المثال..
لو أدرك الراوي حقيقتنا كشعب لاستقال "  (ص 66)
تبدأ الجملة الفعلية بالفعل الماضي " ضاق " كحالة عن نفاذ الصبر : ليكون الشمال كإتجاه قد ضاق يظلنا ، فالظل و هم لا جدوى منه لانه لا يجدي نفعا و لذلك ضاق الشمال منه ، حرما النقطتين إلا إحالة عن حسرة ، ليزيد البعد للشمال كلامه مكررة الجرح إيلاما حرما لنقطتين .. إلا دليل للمأساة فالضيق و النأي كلاهما يجعلنا نناشد و لا نطال ، لتكون " و لسوف" كإستشراق لادراكه لان بعد الضيق الفرج و بعد البعد وصول و حينها سنخبره الحقائق ،و أية مأساة إنها حقيقة جنون البرتقال، فالفاكهة كرمز للحلاوة و الاشتهاء قد أصابها الجنون كونها نبتت في زمن التيه و تواصل البنية كشف دلالة الضياع في غابة الاسلاف ، فالغابة المحلية للعالم الذي عاشت فيه الاسلاف لا تحتاج لطرح الاسئلة ، لان السؤال سيجعلنا أسرى الجواب  و في هذا إستحالة إيجاده لان كل جواب سيحيلنا لسؤال لتكون دائرة التيه و تصبح الرواية مبرر حتفنا كإحالة لميل الكفة الى أصحاب الجور، فالمعادلة مفصولة كيف لامر الاب يحايل و يراوغ ، و حينها يكون التعليل ، فالراوي يطيب له التناسق في المواعظ و المثال و في هذا إحالة لعرب تروي و تتفنن القول دون فعل و ما النقطتين .. إلا إحالة عن صمت للمسكوت عنه آبى إلا التواري و التخفي لعدم جدوى الكلام لتأتي حقيقة أخرى كاشفة لعبة الخيانة " فالراوي" كعرب تتكلم لم أدركت حقيقتنا كشعب فيه من روابط الاخوة ما يجمع كل الامة لاستقبال و في هذا عدم إدراك للحقيقة المأساوية و التضليل بروايات و شعارات ليست إلا ظاهرا لا يعكس الباطن ليعلن البياض مرة أخرى كاشفا عن صمت عربي خانق و لا مبالاة و نتواصل الدوال اللغوية كشف المستور الخفي للخيانة.
             " من موتنا في النص – من نسق الدراما و إستمال
عاداتنا ، في قطف مشمشنا و توزيع الغلال.
على فصول العام؛
لو كنا قراصنة لانصفنا المؤرخ يا أبي ؛
لو كان فينا شاعر فحل لهابتنا القبائل؛
لو تنبأ يا أبي .
منا نبي لاستجاب .
لدعائنا هذا الالاه .
لمن تشيد معبدا ؟
للبدو أم للالهة.." ( ص 67)
تكمن المأساة في موت العرب في الخطاب الشعري فكأنما حدود التاريخ تعتبر حصار الموت الخانق لتأتي المطة كتفسير عن هذا الاقرار ، فنسق الدراما إيماء لدائرة مغلقة تكشف المأسوية صارت ملاذا و موت و إستمرارية للعار المكشوف ، فعادتنا كرمز للاصالة متجسدة في قطف مشمشنا و توزيع الغلال على فصول العام ، و هذا يستوقفنا كثيرا، فمشمشنا يحيل للملكية للمنتوج هو عادة مألوفة ، و لكن الغريب كيف توزع الغلال على فصول العام؟ أهو حسن التدبير للاستنزاف حتى صارت غلالنا موزعة على كل فصول العام، فكأنما ما نملكه صار ملكا مشاعا متواجدا في كل الفصول ، ليكون منتوجا متوافر و مستنزف و هذه حالة عربنا نصدر الغلال لترجع لنا بطريقة مغايرة، فالقطف عملية موروثة و لكن إعادة الانتاج مفقودة ، فالتوزيع فتح مجال التصنيع لتكون فصول العام شاهدة على تواجدها بشتى الطرق فنحن لا نجدد فصرنا محاصرين بالتنسيقية أي التبعية ، لتكون محاورة الاب المتملص عبارة عن مسائلة و تأنيب يتمنى الشاعر لو كنا قراصنة بدل الجمود ، فالقراصنة كرمز تغنم رغم الجور و نحن لم نكن شيئا إن موقعنا من وضعيتنا محير، فلو كنا قراصنة نبطش و نجور لانصفنا المؤرخ بإعتبار ما نحققه من نتائج سوى سلبية أو إيجابية ، لكننا لم نحرك ساكنا يا أبي ، فنداء الاب متواجدا فالذات لم تنس أنها تنتمي له سواء شائت أو أبت كما أن الذات مازالت تفتح باب الحوار فهي تذكر " الاب" ، بأن لو كان فينا شاعر فحل نظرا لانه نبي الامة فلابد أن تصل رسالته لكافة القبائل كإحالة للدول العربية و إمتثلت للاوامر كون الرسالة مقدسة ، فنحن نفقد روح الدفاع و نفقد دور الشاعر لتبقى " لو " كمؤشر تحيل للتمني ، ليقرر أخيرا أنه لو تنبأ منا نبي لاستجاب فحتى الادعاء لم يحصل هذا ما حير الذات و هي تنادي " يا أبي" فلا جواب و لا رد ودعائنا لم يسمع ، إنها الصرخة المكتومة.
 إن البنية العميقة لتكشف بؤس حاصل حصر بالتكتم و الخيانة ، ليطرح السؤال للاب : لمن تشيد معبدا ؟ للبدو أم للالهة ؟
إنها المفارقة الساخرة و المعبد كمكان للتعبد صار محل تساؤل أهو للبدو أم للالهة ؟ فالخيار يدعونا للاستغراب فطرفا الخيار مختلفين البدو كمؤشر يحيل للبساطة و سذاجة العيش أم الالهة فهي مؤشر يحيل للقدسية و القوة فكيف سيكون الخيار إنها لعبة عبثية مسائلة لاب لا مبالي ، و ما للنقطتين ، إلا إحالة على مسكوت عنه لا يريد البوح بخيانة واضحة صارت الخيارات فيها عبثية ، فالاب شاهد لم يفعل شيء و ما البياض الذي أخذ مساحة لا بأس بها إلا دليل خيانة تتوارى ، لا تريد كشف العار و هي دعوة للتأمل و المسائلة ، لتواصل الدوال اللغوية كشف مكنوناتها .
       "كسرى يناصبنا العداء كأننا عرب الكتاب
       و هرقل في نزواته .. يعد المدينة بالخراب
       للبيت رب يا ابي
       لقريش ان ترث الرسالة " (ص 68)
       فها هو استحضار كسرى كرمز لشوكة الفرس يعاد في واقعنا نظرا ان هناك ما يناصبنا العداء ناظرين لنا اننا عرب الكتاب ، انها زمنية التناقض الصريح الذي نصبت فيه قوى جبارة ، من مثل هرقل زعيم الروم الذي ثم استحضاره كذات تعد المدينة بالخراب ، انها العودة للجور بكل تفاصليه مكررة مع رموز اعادت نفس الاحداث .
       تذكر الذات ان للبيت رب يا ابي ، فكانما تذكرها بقدسية المكان و تاريخه و انها محمية ، فمن حق قريش ان ترث الرسالة ، فهم اهل البيت ، ان استحضار المكان الديني المقدس ما هوالا تذكير بقوة و قدسية الاماكن المضطهد و اكيد ان هناك حام لها كون عجز الاب عن قول الحق ، انه الجرح الذي لم يندمل فخلق الأمل بتذكر هناك  حماية اللاهية  و يبقى لعبة تفكيك الدوال تكشف المأساة مغيرة نمط الكتابة ، فكانما تريد التمرد عبر لغتها الشعرية و عبر الشكل عن وضعية مزرية مرفوضة زادتها الخيانة قساوة .
" فدع الحماسة للاميرة ، و قل غدا خمر ، و تابع لعبة
السكر المثيرة ، مذ أتانا الرب محمولا على سجف
القبائل والنبيذ نشيدنا السرى مذ سحذ المقدس
سيفه الذهبي و الاعراب يحتكرون و عيك يا ابي
بفداحة التاريخ ، لا تحزن سينتصر الموثق في
الصراع مع المؤرخ سوف يعثر بعضهم عني هناك " (ص 68)
       تسفر الجملة الفعلية عن اوامر ، بداية بـ " فدع " التي تامر الاب بان ينسحب تارك الحماسة للاميرة ، فقيادية مغيبة ، ليكون إستحضار قصة امرؤ القيس عندما بلغه خبر موت ابيه : فما كان منه الا ان قال : اليوم خمر و غدا امر .
 انها العبثية و تغيب الادراك في لحظة القسوة ، فالعلامة اللغوية " و تابع " كامر تحرض على لعبة السكر المثيرة كونها ملاذا للهروب من الماساة و لو مؤقت ، و يأتي التبرير لهذه الوضعية ، بمجيء الرب محمولا على سجف القبائل ، فكانما امل الحماية صار في الاعتقاد لا بالفعل ، فصار نبيذنا نشيدنا السرى ، انه الهروب بالنشوة بعد تازم الوضعية ، كما ان شحذ المقدس سيفه الذهبي يحيلنا لحرب مقنعة ترى في الظلم مبرر ، ان البنية العميقة لتكشف اقنعة مزيفة فالسيف الذهبي كاحالة لقناع حرب تدعي السلم ، و من ثمة فالاعراب يحتكرون وعي " الأب " الذي كله تضليل متمسكين بفداحة التاريخ ، انها ضبابية الرؤية و عبثية العرب، فالعروبة الجامعة  للامة لا تبالي فخلقت التيه و الحيرة تصبر نفسها في خمرة تعد نشوة و لكنها تغيب و ملاذ للهروب ، لتأتي الذات الشاعرة و تخلق جوا الصبر و ضرورة الثبات إنها الدعوة لعدم الحزن ، لانها هناك غدا أمرا بعد الخمر " سيد" سينتصر الموثق في الصراع مع المؤرخ لكنهما و هنا تحدث المفارقة .
فالموثق من المفروض ان يتعاون مع المؤرخ لكنهما وقعا في صراع لتقرر الذات الشاعر ان النصر سيكون حليف الموثق ، انها لعبة العبثية ، فالموثق مهمته توثيق التاريخ ، و المؤرخ تاريخ الاحداث و كلاهما وقعا في صراع في جو فوضى اللامبالاة و سوف يعثر البعض عن الشاعر هناك كونه تائه وسط القرارات و البحث عن اللاب دونما جدوى ، و تبقى الذات تعلن عن تواجدها ذاكرة مآساتها .
" على حدود الصين ،
أبحث في علوم الدين ،
عمن صاغ محنتنا ،
تعبنا ياأبي
و الموت ليس له نهاية "
لا نكاد نطل عن اشلائنا
حتى تجئ ابناء بمجزرة
و لا ننهي مراسيم قتلنا ...
حتى يطل الموت :
سيفا ، او جرادا او خيولا ذات انياب ..." (ص 96)
تفصح " الذات " عن خيانة عربية فما نكاد نطل عن اشلائنا ، كاموات لا تعترف بهم العروبة سوى جراء حصار العراق أو بطش اليهود في فلسطين ، حتى تجئ اخبار اخرى عن مجزرة ، انها المآساة المعاشة وسط تضليل الحقائق و تنكر الاب ، و الغريب اننا لا ننهي ماساة مراسم قتلنا التي لا تعدو و لا تحصى و التي عبرت عنها النقاط ...كاحالة لكارثة واقعة و لا مبالاة للانسانية ، فالموت يطل كل مرة معبرا عنه بالسيوف كاحالة للترهيب و الحصار او جراد كرمز للخراب فالجراد يؤمن لفساد الزرع و هنا يحيلنا لخراب العمران انه الموت المحقق الذي تجسد حتى في صورة خيول ذات انياب تحيل الحرب لا تمت للفروسية بصلة فشعارها التكشير بالانياب ، و ما النقاط الثلاث الا دليل عن موت رهيب يحدث في بعض اعضاء امتنا العربية و بقية الاعضاء تتجاهل كانما الامر لا يعنيها و تواصل لعبة تفكيك الدوال كشف الماساة بمناداة الاب المغيب في كل مرة كحاجة له رغم تملصه و لكن لا رجاء.
"  تعبنا يا ابي
و الاسود العنسي يقطع نخلنا
و يغور الابار ..
ماذا بعد هذا الاسر " (ص 96) .
تكرر الذات معاناتها ذاكرة التعب الذي لحق بها مخاطبة الاب فكانما تدعوه للصحوة           و لكن دونما جدوى ، و ها هي تبين له اسباب الجرح الدامي فالأسود العنسي يحيل للقوة المدمرة المتمثلة في أساليب الغرب الملتوية و الماكرة ، فهاهو يقطع نخلنا كرمز لثروتنا                  و يستنزف أموالنا و نحن نتفرج إنه الإستغلال المقنع ،و لكن لا حراك لنا لأننا لم نتخذ قرارا يحمينا و قد تم إستحضار صورة " الأسود العنسي " ذلك الكذاب الذي كان متواجد بصنعاء و الذي لفق الأكاذيب في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم لتبيان مدى الخيانة : فهو لم يكتف بالإستنزاف ، فزاد في غور الآبار ، الذي يرمز لأبار النفط المستنزفة في العراق ، و ما النقطتين ، إلا إحالة لأمريركا الظالمة و ما تفعله من مكر و خداع و تضليل لتقرر الحصار أخيرا ،و هنا تتسائل الذات في محاورتها للأب صاحب العرش المضلل ماذا بعد هذا الأسر ؟
إنه السؤال المحير الذي تعقبه الحيرة و الضبابية ،  التي أعقبها بياض إتخذ مسافة لا بأس بها من الورق و المخيلة لمسكوت عنه توارى ليفتح مجال التأمل و التفكير في مآساة تمسنا كلنا نحن العرب ، مادامت تجمعنا روابط واحدة و تواصل الدول اللغوية سد معاناتها و تحرض فينا روح الكشف و الغوص في أعماق هذا النص الشعري الذي بين أيدينا.
" للريح نمضي ؟ للرماد
على خطى الراوي ؟ لأكثر من مصير ..
أسرى و عشاق نرفرف في السؤال و لا نطير
أسرى و عشاق نقايض حلمنا بيقينه ..
و نروض الملهاة في التيه الكبير.. "  ( ص 70)
تفصح الذات الثائرة عن مسلك نتبعه أنه الريح لتكون المتاهة و الضياع : فالنصين في الريح يعقبه التظليل ، وليس هذا فقط ، فنحن أيضا نمضي للرماد كإحالة على حلم متبخر لا مراد منه : فالرماد مؤشر لاخماد ، فكأنما هناك نار متؤججة ما حصدنا منها إلا الرماد ، فمضينا تتبع الأمر هام ، متبعين في ذلك خطى الراوي نتبع كلاما لا جدوى منه ، فتح لنا باب تعدد المصير لنجد أنفسنا في دائرة الضياع وما النقطتين .. إلا دليل الضياع وسط تعدد الآراء دونما جدوى.
لنكون أخيرا أسرى و عشاق لهذه الدائرة المضللة باحثين عن الأجوبة فلا نجد، فما يكون منا إلا فتح تعدد الأسئلة فلا جواب و لا إلتفاتة ليتكرر الأسر مرة أخرى و العشق : و لكن هذه المرة في مقايضة حلمنا بيقينه لتبقى الدائرة مغلقة حلم يناشد اليقين ؛ و ما دلالة النقطتين إلا إحالة لمسكوت عنه يتوارى لأنه لا يجد ما يقوله : فالواقع كشف وقال كلمته : لتأتي العلامة " و نروض " لتوضح وحشية مسكوت عنها و تفتح باب المفارقة الساخرة ، فالملهاة الرامزة للتسلية روضت لا لشيء إلا أننا في تيه كبير ، إن البنيات العميقة للنص الشعري إنما تكشف خيانة ماكرة للعروبة المتملصة التي فتحت باب الإستنزاف و صمتت جبنا منها على واقع مر و ما دلالة النقطتين إلا كتم لجراح توارت و لم تجد من الدوال اللغوية ما يعبر عن حجم المآساة و يواصل المتن الشعري رحلته في السرد حاملا بطياته إستفزاز و دعوة للبحث و الكشف .
" تشكو الى بعبرة و تحمحم
خيل الأمازيغ الجريحة
حروب الهدم و اللحم التي لا تنتهي ..
و الأفق يهذي من سعير الحرب ..
- هل تعد القبائل ثم تخلف يا أبي .. ؟" ( ص 70 ) .
تستغرب الذات الشاعرة من شكوى خيل الأمازيغ الجريحة التي عبرت عن حزنها و معـانـاتهـا بالعبرات و الحمحمة، فكأنما الفروسية إنهارت و القيم الإنسانية فقدت مع الواقع المر المتدني ، فصار خيل الأمازيغ المعبر عن الأصالة رمزا للحزن نتيجة حروب الهدم و اللدم ، فالتهديم و الخراب صار شعار الصراعات التي صنعها الشجع في ثرواتنا العربية فصارت لا تنتهي و ما النقطتين .. إلا إحالة لطول الزمن و كثرة الإحداث فما كان من الأفق إلا صار يهذي من سعير الحرب فالهذيان الناجم عن الحمى و المرض ،صار متعلق بالأفق التي إحتوت بنتائج الحرب الدامية التي تحمل الموت و الدمار ، و ما لنقطتين إلا دليل صرخة مكتومة عجز الخطاب الشعري عن قوله لتبقى الذات الشاعرة في كل مرة تحاور الأب و تعاتبه و تذكره هل تعد القبائل ثم تخلف يا أبي .. ؟ إنه التوبيخ فالوعود و الشعارات و الكلام كله لم يتحقق لأن الأب قد أخلف ،إنها الخيانة وما النقطتين إلا إحالة لعار مدفون يصعب كشفه : إن الأب لم يتحرك سكنا وهو يشاهد الأحداث كأنما غير موجود ، إنه المغيب الحاضر ، الشاهد الناكر ، الراوي الكاذب .
ويفصح البياض مرة أخرى بمساحة لا بأس بها معلنا عن ضرورة التأمل ودعوة للوعي  والإدراك بمجريات الأحداث  لواقعة في هذا العالم الغريب وها هو نمط الكتابة يتغير معلنا عن كشف جديد ، فكأنما اللغة الشعرية تفصح عن مكنوناتها بهذا النمط المغاير آملا بأمل جديد ودعوة لوعي وإدراك.
          " دقت نواقيس الرحيل لعودة خدش الحنين بهائها .
           و بياضها الفطري فامتثلوا لكل شروط صلح لاذع
           كالملح في أرض القراصنة القدامى حالمين
            و ساخرين ، فأي ملحمة يصوغ الثلج بعض فصولها
           في منتهى الملهاة والعبث المرير ؟ مبارك أوسلو ...
           وداعا أرض قرطاج الجديدة "  . (ص 71)
       تعلن الذات الشاعرة عن دق النواقيس كايذان لوقت الرحيل ، و تعلل السبب بعودة خدش الحنين بهائها ، فالشوق و الحنين هما سببا دق النواقيس إنها لحظة القرار الفاصل ، فكل التبريرات الواهية لم تجد نفعا ، كما أن البياض الفطري الذي فيه إحالة لصفاء السريرة ينبئ عن إستسلام حتمي فالقرار جاء نتيجة الوضعية المزرية ، فالعلامة " إمتثلوا" بحفل أمر تومن للاستسلام و ضرورة الرضوخ فلا مجال للمناقشة و الحوار ، فكل شروط الصلح المقنع لاذع ، تكشف البنية العميقة عن حزن دفين فالشروط واهية خادمة لكفة الغرب مثلها كالملح في أرض القراصنة القدامى حالمين ، فالملح رمز عدم الاخصاب و الزيادة لا جدوى منه في أرض يهود مغتصبين حطموا الأحلام                و شردوا الفلسطنيين ، ساخرين منا نحن العرب تدعمه قوى غاشمة كأمريكا و بريطانيا شعارها الصلح الذي باطنه الخداع و المكر ، ليبقى السؤال مطروحا حاملا معه المفارقة الساخرة: فأي ملحمة يصوغ الثلج بعض فصولها في منتهى الملهاة و العبث المرير ؟ إن الذات الكاشفة للخيانة المقنعة تتساءل عن أي ملحمة نتكلم و نؤرخ ، فالثلج كايماء للقساوة يصوغ بعض فصولها ،كإحالة للقرارات المجحفة في حق الفلسطنيين ، و ذلك في منتهى الملهاة التي تومئ عن الترفيه عن النفس بأخذ ما يناسب نشوتها من حقوق و العبث بحقوق الفلسطيني، إن شعار السلم قمة العبثية عبر إنعقاد المؤتمرات المجحفة، فمباركة أوسلو كمؤتمر كشف اللعبة و الخيانة و مالنقاط الثلاث ... إلا إحالة عن مآساة مقنعة تفصح عن مسكوت عنه يتوارى من عار الخيانة ؟ ليكون أخيرا قرار وداع أرض قرطاج الجديدة كإحالة عن ضرورة الرحيل من عار يصنعه العرب بالصمت و اللامبالاة ، و تبقى رحلة الدوال اللغوية تتواصل في المتن الشعري كاشفة عن أغواره الدفينة بتتبع مسارات السيميوز التي ستكشف لنا تناسل الدلالات و تداولها .
       " وتذكروا في موجة الفرح المباغت حزنهم ، ورفات
             قادتهم فمالوا للمقابر باسمين ، وكللوا بالياسمين
             ضريحهم ، وتماسكوا كي يثبتوا لوسائل الإعلام أن
            الموت حق ...
            لكن شاعرهم بكى ..." (ص71)
 تفصح العلامات المشكلة للخطاب الشعري عن مفارقات ساخرة ، فالذكرى في موجة الفرح المباغت أعادت صورة الحزن ، إنها المأساة التي لا تضمد الجراح وتعجز عن وصفها الأقلام ، فالرفات الدقيقة قادت العرب الفارح بقرارات ظاهرها سلم وباطنها سم إلى مقابر تحيل لكثرة الأموات ، ولكنها السخرية القاتمة ، فالبسمة والتكليل بالياسمين كالأضرحة فيه إيماء لشعارات واهية تشاهد وتستسلم ثم تتأسف ، و تتكشف خطوط اللعبة فالحكام العرب يحضرون المؤتمرات مرغمين على الموافقة وفي موجة الفرح المقنع يتذكر الجرح الدامي الذي يقاوم بأقنعة التأسف ، وما التمسك والقوة الظاهرة إلا شعار يثبت لوسائل الإعلام كوسيلة لنقل الأحداث أن الموت حق ، فكأنما الإنسانية معدومة وحق الحياة المشروع صار معدوم مع الفلسطينيين ، وما النقاط الثلاث إلا دليل على سخرية لواقع متردي طمست فيه معالم الإنسانية ، فالعرب ترى الموت ولا تبحث عن أسبابه و لكن الحقيقة أن الشاعر رمز الذود عن الكرامة و ناقل رسالة " الحق بكى " لا لشيء إلا لخداع ظاهر إنه التواطؤ ، و ما إحالة النقاط الثلاث ... إلا كشف عن مسكوت عنه يتوارى لم يجد عن الدوال اللغوية ما يعبر عن خيانة مكشوفة للعيان، فالمساحة البيضاء التي أخذت جزء من الصفحة تكشف التواط العربي رغبة بضرورة                     التامل ، للتواصل الدوال اللغوية حكايتها حاملة في طياتها أسرار دفينة .
                          خانته أضلعه فأجهش بالوداع
                          فارخ الشراع
                          لسفينة الربضي ، ضاق الكون بالطفل الفلسطيني
                          فأبتكر الحجارة مرة أخرى ، و أغنى بالدلالة كلما
                         كتبوا عن الأسطورة الرقطاء ،
                         كن حذرا سيلتبس الصراع
                         صبرا جميلا آل ياسر."   (

فالشاعر             الباكي عن مصير الفلسطنيين خانته أضلعه باعتباره حامل رسالة لم تجد نفعا ، فما كان منه إلا أن أجهش بالوداع هنا الرحيل صار ملاذ الشاعر الباحث عن الآمان والذي لم يجد من سبيل فارخ الشراع لسفينة الربضي كإحالة لواقع مأساوي وجد إلا الفرار كملاذ ، لتكشف الحقيقة عن الآلام المغيبة بشعارات الأكاذيب موضحة بأن الكون ضاق بالطفل الفلسطيني فلم يتخذ من وسيلة الدفاع عن نفسه سوى ابتكار الحجارة مرة أخرى.
تفصح البينات العميقة عن شجاعة الطفولة أمام تخاذل الكبار لتكون الصورة أغنى بالدلالة كلما كتبوا عن الأسطورة الرقطاء ، فأطفال الحجارة صاروا أبطال أسطوريين فشجاعتهم تعبر عن مقاومة فذة رافضة الجور مصورة لكل العالم تحدي وإصرار ، ولكن الذات الشاعرة تبقى في كل مرة تكشف عن ضرورة الحذر، لأن الصراع متجدد وملتبس فالجور اليهودي زادته غطرسة العرب بالتواطؤ والصمت ليتم استحضار صبر آل ياسر ليكون عونا للفلسطيني  الذي يعاني في وطنه ويضطهد في كل مرة : فآل ياسر تجسد قوة الإيمان والصلابة "وكانت بني مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر وبأبيه وأمه ، وكانوا أهل بيت إسلام ، إذا حميت الظهيرة يعذبونهم برمضاء مكة ، فيمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول ( صبرا آل ياسر ، فإن موعدكم الجنة  ، فأما أمه فقتلوها وهي تأتي إلا الإسلام".  1
تكشف الدوال اللغوية عن مأساة الفلسطنيين فرغم الصبر إلا أن الواقع مر زادته مرارة الصمت والتخلي عن حق العروبة والوحدة الجامعة لكل الأمة العربية .
" ان اساس الاسس في تكوين الامة و بناء القومية هو وحدة اللغة و وحدة التاريخ لان الوحدة في هذين المبداين هي التي تؤدي الى المشاعر و المنازع ، و وحدة الالام و الامال و وحدة الثقافة .... و بكل ذلك تجعل الناس يشعرون بأنهم أبناء            واحدة ".
تكشف الدوال اللغوية في كل مرة عن اسواره فينة حاملة احلام ضائعة تابى الا التاويلية كاجراء تتبعها عبر مسارات السيميوز الكاشفة عن تناسل الدلالات .
" ربما ضاعت منازلكم و ضاع
بين المدى و الافق وعد الله و انتشر الخداع
بين القبائل تلك عادتها .
لكم رب جميل
فاحفظوا آياته " (ص72)
تفصح العلامة " ربما " عن الاحتمال ، فالذات الشاعرة تتنبئ بضياع منازل الفلسطيين ، و تكرر الفعل " ضاع " و لكن هذه المرة " وعد الله " هو الذي ضاع بين المد و الافق لتكون معضلة الفلسطيني في ايجاد الاستقرار ، و يأتي الفعل " انتشر " كاشفا الجبن العربي موضحا ان الخداع صار لغة بين القبائل و تلك عادتها ، انه العار في التملص عن المسؤوليات ، ليكون الصبر بتذكر ان هناك رب جميل كذات متعالية عادلة و ذلك فما علينا الا ان نحفظ اياته كاحالة على الولاء الديني و حديثه القدسي الذي يؤمن على العداسة ، انه الايمان الصادق الذي لا بد للفلسطنيين ان يستمده ليكون ذحيرته ، و تبقى لعبة تفكيك الدوال تتواصل ساردة مكنونات الذات الواعية التي تابى الا الكشف و السرد [16].
" و التمسوا المراكب
إن طوفانا سيأتي ،
فاحملوا من كل زوجين  
المعاجم و التماثيل التي عبد الاوائل
انا طوفانا سياتي ..
فاتقوا قرطاج لن يجد المقاتل
في سورة الاسراء وعدا بالمدينة
سوف يصمد حقبة او حقبتين
و سوف يؤمن مرة اخرى
بما جاءت به رسل القوافل " (ص73).
ينبئ الشاعر النبي بمجئ طوفان ستعقبه عاصفة حروب قادمة ، و ما على الفلسطنيين إلا إلتماس المراكب ، فكأنما الرحيل و اللجوء لاماكن أخرى هو ملاذ وحيد للهروب من المأساة ، و لعل العلامة " فاحملوا" تبين كيفية الهروب من جحيم الطوفان فمن كل زوجين تحمل المعاجم و التماثيل التي عبد الأوائل كإحالة للتاريخ تصنعه اللغة المحفوظة بالمعاجم و الديانات التي آمن بها الاسلاف.
يأتي التأكيد مباشرة لتبيان الخطر القادم ، فالطوفان آت لا محالة و ما النقطتين إلا دليل على دمار حاصل سيحدث أبي المسكوت إلا أن يتوارى و هاهو الفعل " فاتقوا" كعلامة لغوية يحيلنا لضرورة الولاء إلا هي فلا ملاذ لنا إلا هو و هي متعلقة بقرطاج كمكان شهد تاريخ العز و الفخر توصل الذات الشاعرة التنبؤات عن فقدان المقاتل لانه لن يجد في سورة الاسراء وعدا بالمدينة ، فسورة الاسراء تحيلنا للقرآن الكريم و قصة إسراء نبينا محمد الذي وجد في رحلته السماوية من الغيب ما وعده به الحق قوله تعالى في سورة الإسراء الآية 01" {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ(1) } ".
يتعلق الفلسطيني بوعد السلم و الاستقرار، و لكنه لا أمل مع اليهود ، فكل المؤتمرات في صالح اليهود الباطش ، لذلك فالمستقبل كغيب يحمل دوما له الطوفان ، و لانه صبور فإنه سيصمد حقبة من الزمن أو حقبتين و لكن سينفذ صبره ، و سيؤمن مرة أخرى بما جاءت به رسل القوافل كإحالة لما لحق بالانبياء الداعيين للحق و الذين عانوا من يهود يخلفون دوما بالوعد قوله تعالى في سورة الأعراف الاية 135 " {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } " .
تدرك الذات الشاعرة ماساة الفلسطيني فتكشف رحلة العذاب و اللجوء و عدم الاستقرار مؤكدة على أنه يعلم تجدد معاناته ، فاليهود منذ القدم ينكثون الوعود و يسفكون الدماء و لا سبيل للحوار و لا إنعقاد المؤتمرات فاللعبة مكشوفة، ليكشف المتن عن صرخة تنبئ عن آلام شاعر شاهد على الجور و الاضطهاد.
       " لبيك يا هبل
       إن ضاقت السبل " (ص 73)
تناشد الذات الشاعرة كبير الالهة " هبل" معبرة عن ضيق السبل و هي صرخة عمقت الجراح و فتحتها ، فالنجاة صارت شبه مستحيلة فهل سيسمع هبل كالله مقدس معاناة الفلسطيني.
تتجدد رحلة عذاب الفلسطيني كعضو من الامة العربية دونما لا مبالاة و لعل البياض الذي جاوز نصف الصفحة يعبر عن مسكوت عنه لم يجد ما يعبر عنه إزاء الجور الحاصل من قوة مدمرة ضد شعب أعزل ، لتواصل الدوال اللغوية رحلتها في التعبير عن المأساة .
" هذي ثمود ، و لست صالحا يا أبي ، هذي ثمود ..
هذي قريش ، و لست أحمد ، هؤلاء هم اليهود
و لست موسى كي تشق البحر في شغف
و تلتمس النبوة .. بين هامات الجنود..
فاظفر بموتك يا أبي
هو كذبة كبرى الخلود
لبيك يا هبل
إن ضاقت السبل .." ( ص 74)
تتواصل محاورة الاب المغيب عبر الدوال اللغوية كاشفة زيف الحقائق ، واضعة الجرح في مكانه الطبيعي لانه لا يندمل ماداما أنه متجدد ،  فالذات الشاعرة تشير لصاحب الجور واصفة إياه بقوم ثمود الفاجر الذي حل عليه العذاب مذكرا " الاب" بأنه ليس النبي صالح صاحب المعجزات ، و ما النقطتين إلا إحالة لفساد واقع تم إستحضار من خلاله طغيان ثمود قواله تعالى في سورة الشعراء"كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141)إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ(142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ(143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُون(144) ".
تحيلنا إذن قصة ثمود للطغيان و الكفر و الجبروت فكأنما الصورة تعاد مع قوم إسمهم اليهود يبطشون و يكفرون و لكن لا أحد من البشر وقف وقفة حق فالنبي صالح غير موجود لذلك فالطغيان متواصل .
"  لقد كانت أرض (ثمود) من الاراضي الزراعية الغنية الوافرة بالثمر و الزرع و الحقول و البساتين ، و أقاموا في بيوت كالقصور ، نحتوها في صخور الجبال ، و عاشوا في نعيم مقيم ، غير أنهم بطروا و كفروا نعم الله سبحانه و تعالى ، و عبدوا الاصنام ، و عكفوا و إنغمسوا في المفاسد و الملهيات و المنكرات...." [17].
و يتواصل الذات الشاعرة التيه فهي لم تعرف أي قوم هذا، ليأتي المؤشر " هذي قريش" ليحيل على ضياع الذات فهي مرة ترى القوم ثمود مرة أخرى تراهم قريش، و تثبت أنها ليست صالح للحد من طغيان ثمود كما أنها ليست أحمد كنبي جاء لخلاص الامة من ظلمات الكفر و الطغيان لتقرر بعد التيه، أن هؤلاء هم اليهود لذلك فهم لا يحتاجون لنبي فهم معرفون بالخيانة و أخلاف الوعد ، " فالاب" عاجز في كل مرة على إيجاد الحلول فهو ليس موسى أيضا كي يشق البحر في شغف " و بلغ بنو إسرائيل البحر، و صار بين أيديهم  و فرعون من ورائهم ، فأيقنوا بالهلاك ، فتقدم موسى ، فضرب البحر بعصاه فانفلق ، فكان كل فرق كالصور العظيم، و صار فيه إثنا عشر طريقا لكل سبط طريق فقال كل سبط: قد هلك أصحابنا ، فأمر الله الماء، فصار كالشباك ، فكان كل سبط يرى عن يمينه و عن شماله حتى خرجوا ...[18].
إذن الاب ليس صالح و لا أحمد و لا موسى ، فليس من حقه التماس النبوة ، فالنبي صاحب رسالة حق له معجزات أيده الله بها، و ما دمت لست هؤلاء فأنت عاجز بين هامات الجنود كل نقطتين ..فيهما إحالة للاسف على عجز الاب الرامز للعروبة الذي تملص عن مسؤولية إعانة الفلسطيني ، لتكون المفارقة الساخرة ، فاظفر بموتك يا ابي " فالذات الشاعرة تسخر و تعلن فوز الاب بالموت ، انه القرار بالتغييب الكلي لهذا الاخير العاجز بموته ، لتعلن ان اكبر كذبة خلوده ، فهو عديم الجدوى شاهد على الوضع  المزري و صامت ، يتوارى كلما احتجنا له ، يخرس وقت ضرورة الانصات ، ليتكرر الدعاء لهبل رمز قوة الاصنام فكل السبل ضاقت امام الفلسطنيين فلم يجد من سبيل سوى الصراخ و الهروب من حرب متجددة غير متكافئة ، و ها هو البياض ياخذ مساحة اخرى لا باس بها معلنا عن دلالات تتوارى لا تريد البوح عبر المدلولات عن معاناتها ، ليتوصل الحديث عن رحلة ضياع الذات الشاعرة الباحثة عن الحلول .
طاشت حلوم القوم يا أبت و لم يظفر يزيد
الا بسبي او إماء او مديح في قصيد ..
طاشت حلوم القوم يا أبت و لم يظفر يزيد
الا بعرش من جماجم سوف يورثه الوليد
طاشت حلوم القوم يا أبت و لم يظفر يزيد
الا بثأر بني أمية في مقاتلهم بيد و مالنا و لما يريد ؟
       تواصل الذات الشاعرة محاورتها " للاب" مذكرة إياه بعدم مناشدة الحلم ، فالقوم لم يحققوا النصر لان ظفر " يزيد " لم يحصل عليه بجدارته ، لانه حققه بالسبي و الاماء ، و مديح في قصيد غرضه تلفيق الحقائق ، و يزيد يحيلنا لاسم الخليفة الاموي يزيد بن معاوية ، فقد كان صاحب عرش لم يحصل عليه بجدارته و إجماع الامة ، و لكنه حصل عليه بدهاء والده ، فكانت الخيبة فواقعنا المعاش تحكمه سلطة تؤمن بالشعارات لكنها لا تقف مع نصرة الفسلطنين بالفعل و إنما بمجرد القول، ليتكرر المؤشر " طاشت " مرة أخرى  لتذكير بخيبة رجاء القوم و عدم ظفر " يزيد" الرامز للقيادة المضللة لان مجده خلده بالموت على حساب كلمة الحق ، و بوراثة للوليد خلفت كره القوم يبقى التكرار متواصل تذكيرا لما جناه يزيد من علوه عرش لا يستحقه ، فثأر بني أمية كان مستحقا مثل نصرة المسلمين في بدر.
تؤكد الذات الشاعرة أن كل طاغية لا تسعى لنصرة الحق و تعمل على تكميم الافواه هو تكرار لما فعله " يزيد" من جور في إعتلاء عرش ليس من حقه و ما إستحضار هذه الصورة إلا تأكيد على شعارات قيادات عربية متفرقة لم تجمعها كلمة واحدة، فالاب الجامع قد غاب تاركا القوارب تسبح وحدها في مياه عكرة تقودها دول غربية كأمريكا و إسرائيل تعمل على سحب البساط دوما لصفها ، متناسية حقوق شعب هو صاحب الارض و الكلمة ، إنها المعاناة و الجور المعاشة وسط تكميم أفواه العرب، الذين يشاهدون بأعينهم  و لا يتحركون ساكنا، فالعروبة الجامعة لم تشفع ، فالكل يغني على وتره ، غير مبالي لما يحدث لعضو من أعضاء الامة سواء كانت فلسطين الجريحة أو العراق الذي تم حصاره إقتصاديا كإعلانا لحرب آتية ، فسياسة الحصار هي إنذار بدمار مميت سيحصد شعب العراق منه جوعا و حرمانا و موتا .
و تواصل الذات الشاعرة الاستنجاد بكبير الصنم نتيجة ضيق السبل بالقول:
             " لبيك يا هبل .
             إن ضاقت السبل " (ص 75).
تومئ العلامة " لبيك " على القدسية فكأنما الفرج بعد الضيق ، لن يكون إلا بالولاء و العبادة بعد إتخاذ كل الطرق دونما جدوى، و يبقى البياض يخترق مرة أخرى الصفحة معلنا تحديه فكأنما يفتح باب التساؤل عن طول زمن الصمت ليكون الاعلان عبر الدوال اللغوية عن تغير مجريات الاحداث.
             " و عمي سلاما زهرتي ،
             سنخوض ليلا داميا
             و نذود عنك بما تبقى
             من سنابل في حقول القمح..
             و بما تبقى من رذاذ جداول في السفح
             لن تغلق الهجرات أبواب النبوة " ( ص 76)
       تخاطب الذات الشاعرة الزهرة كإحالة لاصل البهاء و الجمال ، بأنها ستعم سلاما أهي المفارقة الساخرة أم الضياع من طول الرحلة، حتى تكون المعاناة ثم بعدها السلام يومئ الفعل المضارع " سنخوض" عن إقرار للمقاومة و المواجهة لليل رامي لتكون الزهرة كعلامة تحيلنا لفلسطين الجريحة ، التي قرر الشاعر كنبي حامل رسالة السلام أن يدافع عنها بكل ما تبقى من سنابل محيلة لفئات مازالت تؤمن بالنضال في حقول القمح كدلالة للشعوب العربية فالدفاع عن فلسطين الابية سيكون من طرف الشاعر و الفئات المناضلة المؤمنة بالتحرر التي تعيش تحت سلطة حكام جائرة ، لم تقف وقفة حق و هي تشاهد مجازر و عذاب الفلسطنين و ما دلالة النقطتين .. إلا دليل مسكوت عنه يخفي معاناة فئات تذود بكل ما تملك ،و لكنها تحت سلطة لا تؤمن بالفعل و إنما تنسج أقاول لم تجد نفعا ، ليزيد ما تبقى من رذاذ جداول في السفح الامل لتتواصل رحلة الذود عن هذه البلاد الطيبة، فالرذاذ و السنابل كانتا السبيلان للذود عن الجور و الاسى ، فالرذاذ كمؤشر يحيل لاطفاء حريق الخراب فكأنما هو دواء الصبر للمقاومة و التحدي ، لتكون الجملة الفعلية المبدوءة بالنفي " لن تغلق" فيها صرخة الرفض ، فالهجرات للفلسطنيين كلاجئين لن تكون سببا لغلق أبواب النبوة ، إنه الامل بتبليغ الرسالة رغم الجراح و العذاب ، و هاهو الشاعر النبي يواصل سرد رسالته حالما رغم غياب الاب .

" يا أميرة قلبي المثلوم
لولا حبك الدامي و لولا ..
ما إرتشفنا من نبيذ في رضابك
لانتهينا آية للسائلين
و دمنة للشاعر العربي :
لولا إن هذا البحر خان.
و خانت الصحراء .
             خان البرق 
             خان الريح
حتى الرب خان " ( ص 76، 77)
ينادي الشاعر حبيبة قلبه بقوله :" يا أميرة قلبي المثلوم" فهو يتغزل بفلسطين الابية واصفا إياها بالاميرة  كونها غالية و تاريخها مجيد، و يناشدها أن حبها الدامي كجرح لم يندمل ، و أن لولاه كإحالة لتفرد هذا الحب " ما إرتشفنا نبيذ في رضابك"  ، فالخمرة كمؤشر لنشوة و غياب لصحوة العقل كانت سببا حب مجروح ، و نهاية آية للسائلين كإحالة لضياع وراء حقيقة مفعمة دائما بأسئلة لا تنتهي، و نتيجة لذلك فالشاعر لا يريد أن ينتهي هذه النهاية لان هناك حب كبير لفلسطين منعه من ذلك ، كما أن المحبة و التعلق الذي صار دافعا قد أحال أن نكون دمنة للشاعر العربي، ففلسطين ليست طلل يذكرنا بالايام الخوالي ، بل هي موطن العزة و الكرامة ، لتتكرر العلامة " لولا" التي ستحيل لتغير مجريات الاحداث و التي غيرت حتى في شكل القصيدة حاملة عمق جرح زعزع كيان الذات الشاعرة فغيرت من نمط الكتابة .
تستثني الذات الخيانة عن الكل ما عدى للبحر و الصحراء و البرق و الريح و حتى الرب، فالفعل خان يتكرر كعلامة خمس مرات مرسخا في الذهن صورة الجرح الذي لا يندمل ، فالبحر كإحالة لموطن الاسرار خان فكأنما أراد الثورة بالخيانة عن كتم أسرار فاضت به، لتتبعه خيانة أخرى لصحراء شاسعة جافة ، أرادت بقساوتها التعبير عن سخطها بالخيانة ، ليفسح المجال للبرق و الريح أيضا فالتعبير عن الغضب مزج بالخيانة ليعصف بالثوران لكلا من البرق و الريح لتكون الحقيقة المرة فحتى الرب خان: إنها ثمار النذالة تحصد من خيانة ترى الحقائق و تزيفها ، ففلسطين الزهرة عانت من التضليل و الضبابية و مادلالة النقطتين .. إلا دليل حسرة على واقع مشهود مرئى للعيان حصدت الضر و المآسي لفلسطين الابية، و تبقى الدوال اللغوية تكشف عن مكنوناتها مرة أخرى .
" كم كان حبك يحفظ الذكرى لمن يأتي غدا.
ليزيح عن تابوتنا هذا الركام.
كنا هنا من قبل أن يجد الغمام
لكيانه ماء، و قبل السيف و المحراث
قبل الأبجدية، قبل أن يجد الحمام..
لهديله شجنا .. و أن يجد الرخام " (ص 77)
تخاطب الذات مرة أخرى العشيقة ، فلسطين مذكرة إياها بأن حبها سيبقى يحفظ الذكرى لكل الاجيال اللاحقة بإعتبار التعلق بالوطن ساري دوما مع الزمن ليزيح عن الاموات الضبابية و التضليل ، و لتثبت أن حب الوطن موجود هنا قبل أن يوجد الغمام الذي يحجب الحقائق ، إنها الكينونة الرافضة للانهزامية وسط الموت الهمجي ، فالفلسطنيون أثبتوا تواجدهم منذ القديم قبل السيف و المحراث و الابجدية ، فهم أصحاب الارض الاصليون ينتمون لهذه الرقعة الجغرافية كونها جزء منهم  ، فالكينونة متواجدة قبل إيجاد الحمام كرمز للسلام لتكون النقطتين ، فيهما سخرية من تضليل للحقائق ، فهديل الحمام الذي كله شجن ماهو إلا كلام مسجوع لا طائل منه لتكون النقطتين .. كفاصل لمسكوت عنه يخفي حسرة واقع مرير لتكون الامال المعلقة ب " و أن يجد الرخام" كإحالة لمستقبل يفصله بياض تجاوز أكثر من نصف الصفحة تخلله صمت دفين عبرت عنه فيما بعد مدلولات لغوية كاشفة عن هذه الامال .
" لمعابد الرومان آلهة.
و قبل الموت كنا هاهنا ..
نسقي الصنوبر ماء أضلعنا
و نرعى الوعل في الاحراش
نعبده قليلا ثم نذبحه فما شأن الغزاة
بعبادة الاوثان في سبأ ، و ما شأن الجنود .
بسذاجة الفرعون إن نشد الخلود " ( ص 78).
تومئ آمال الرخام عن إيجاد لمعابد الرومان آلهة ، فهذا البلد شهد حضارة القوة و الصمود ، لذلك فعندما نعلق آمالنا بآلهة قدسية شهد لها بالعبادة فإن هذا يدفعنا لاستمداد الثقة و الامل، لتثبت الكينونة مرة أخرى الموجودة قبل الموت " كنا هاهنا .." فالفلسطنيون أثبتوا دوما تعلقهم بالرقعة الجغرافية فكل الاحداث المشهودة مرت عليهم و ما النقطتين ..إلا دليل حسرة على أحداث توالت أثبتت صمود فلسطين ، لتكون الجملة الفعلية"
نسقي الصنوبر ماء أضلعنا" تومئ لمقاومة جبارة ، فالصنوبر كعلامة دالة على شجر الصمود نسقيه بماء أضلعنا فالروح متعلقة به حتى الجنون، " ليكون ماءا أضلعنا " بديل لحرمان الطبيعة لهذا الشجر فالماء مصدر الحياة الذي حرم منه شجر فلسطين ( الصنوبر) عوضه الحب و هاهو الصمود يتجلى برعي الوعل ذلك التيس نوعاه في الجبال و الرامز لضرورة حرية الاختيار ، لتتجلى المفارقة الساخرة بأننا نعبده قليلا ولاء له و لكنا فيما بعد نذبحه ، فالبنيات العميقة للنص الشعري تكشف اللعبة الساخرة فالعرب تقدس فلسطين و تاريخها لكنها تذبحها بالصمت و اللامبالاة ، و لكن الذات الشاعرة تدرك حجم المعاناة ،  ترفض تدخل الغزاة كإحالة لليهود الذي يشعلون دوما نار الفتنة ، فعبادة الاوثان في سبأ قديما عالجها سليمان بالحكمة و الموعظة و هي لا تحتاج لغزاة غرضهم التدمير لخلق السلام ، لتكرر المفارقة الساخرة مرة أخرى " و ما شأن الجنود" فالذات تنكر على الجنود التدخل فيما لا يعنيها " ففرعون" اليهودي بسذاجته يناشد المستحيل و هو الخلود ، لتكون قصة جلجامش الاسطورية مكررة مع يهدودي لا يؤمن أن للحياة نهاية، و ان الامل قائم ما دامت هناك إستمرارية و ما غلب عسر يسران، إنها الحقائق المزيفة أمام تراكم الادعاءات، لتتواصل لعبة الدوال الحاملة لاسرار عميقة في ثناياها عن عمق الجراح الفلسطينية .
" لبيك يا هبل
إن ضاقت السبل ..
بحر ، قراصنة ، جنود
و بإسمك البحري أفتتح النشيد
و أبدأ الصلوات
قمر برئ من دماء البدو
دوري يوزع شدوه العالي على الشرفات
و ثغاء أغنام الرعاة " ( ص 79)
يتكرر المؤشر " لبيك" و مرة أخرى معلنا إحتياجه لكبير الالهة " هبل" بعد أن ضاقت السبل ، فالعرب الاخوة تنكروا و الغزاة لم يرحموا، و هاهي النقطتين .. تفصح عن مسكوت يتوارى يكشف الجبن العربي، فلا مفر ، بحر ، قراصنة ، جنود فكل السبل موصدة أمام الفلسطيني ، ليحين دور إفتتاح النشيد و تبدأ الصلوات فلا مفر و لا فرار ، فالبراءة للقمر من دماء البدو ،  فالقمر كرمز يحيل للعلو و البهاء لا يمكن أن ينسب له الجرم، فهو بريئ من هذه الدماء البدوية التي هي ثمن للدفاع عن الارض ، ليكون الدوري رامز للامل القادم يوزع شدوه العالي على الشرفات ففلسطين  أبية تامل بالحرية مهما ضاقت بها السبل ، و لتبقى مواصلة الحياة تكشف عن ضرورة الاستمرارية فثغاء أغنام الرعاة لم يتوقف ،  " فالرغاء" يخنق الصمت لفحل شارد في هذه الصحراء عازم على المضي وسط الضبابية ، لتتبعها آلهة ترابط في الشتات ، فالالهة كمؤشر للقدسية عازمة وسط تشتت العرب أن ترابط لعلها تجمع هذه الشتات الذي ينم على اللامبالاة ، في خضم المفارقات الساخرة، تتسائل الذات الشاعرة عن دورها كحاملة للرسالة ، و تبقى الدوال اللغوية تكشف بالقول :
             " و رغاء فحل شارد في هذه البيداء.
             آلهة ترابط في الشتات
             مالي و فلسفة الرعاة؟ و كلنا راع" ( ص 79).
يستحضرنا في هذا الخطاب الشعري الحديث النبوي الشريف " كلكم راع و كل راع مسؤول عن رعيته" فكل حاكم عربي راع عن شعبه ، و روابط الامة العربية تجعلنا كلنا مسؤولين عما يحدث في كل دولة عربية ، و فلسطين كوطن عربي جريح، زاد جرحه تملص العرب، لتتواصل لعبة تفكيك الدوال في كشف المكنونات .
" و بعض رعاتنا إحترفوا النبوة
و إجتراح المعجزات
قرطاج أبعد من سماء
ها هنا ، في سجن أبناء العمومة من مضر
قرطاج ابعد من قمر
و الهضبة الخضراء ، خضراء بمعجزة المجاز
و في خيال المنتظر" ( ص 80)
تختص الذات الشاعرة " بعض الرعاة" بإحتراف النبوة، فالحكام العرب بعضهم يحترفون الاقاويل دون الافعال لتكون نبوتهم مفتعلة ، و معجزاتهم مجترحة ، فالارض مقابل السلام هو شعار التلفيق و الاكاذيب ، فلا سلام مع من يقتطع أراضي الغير، لتذكر الذات الشاعرة قطعة من روحها و هي " قرطاج" التي هي أبعد من سماء ، فكأنما تريد أن تجعلها قدسية في القلب و المكان ، ليأتي التبرير من كينونة المكان بكسر حاجزا الصمت و الاعلان ب " هاهنا" الدالة على لمكانية ، و التي تنطلق من سجن القبلية التي عادت مع اللامبالاة و الاهتمام إلا بالنفس، متناسين جراح أخرى للامة العربية، ليتكرر الفخر و الاعتزاز مرة أخرى بقرطاج لتكون هذه المرة أبعد من قمر، فالاباء و الكرامة جعلت حب الوطن قدسي مكانته تعدت بعد السماء و القمر.
يبقى إجراء التأويل سلاحنا و نحن نخوض الخطاب الشعري متتبعين مسارات السيميوز لتقود بالتناسل الدلالات ، لتبوح الدوال اللغوية عن أسرارها .
" و الهضبة الخضراء ، خضراء بمعجزة المجاز.
و في خيال المنتظر
و الموت أخضر ها هنا ؛
في ثكنة الكولونيل
و الرايات خضر ، و الدماء
بطبعها ، خضراء في فقه الجنود" ( ص 80)
تقر الذات الشاعرة بأن الهضبة الخضراء كإحالة لامل واعد ، تستمد أملها بمعجزة المجاز و في خيال المنتظر ، فكأنما الذات ترى الواقع بعيد عن تحقيق المراد لان ما هو مشهود للعيان هو الموت الاخضر في ثكنة الكولونيل ، و هنا تبرز المفارقة الساخرة فالاخضر لون الحياة و التجرد فكيف أقترن بالموت ؟ لتكون الاجابة المرة و العقيمة " و الرايات خضر" فالشعارات المنادية للسلم و الامان و التنديد بالموت لونها أخضر، لذلك كان الرد بالدم الذي يراه الجنود أخضر و الذي حول لهذا اللون ، إنطلاقا من شعارات واهية لم تحرك الانسانية فإختلطت الالوان و صار الموت حق مثله الحياة، إنها فلسفة العدمية و اللاجدوى ، و تعلن الحقائق عبر الدوال اللغوية كاشفة زيف الواقع.
" الحالمين بجنة خضراء يرشح نفطها ؛
و يعيد للاذهان محرقة الفتوح؛
لو كان للشعر أجنحة لطاروا
لالاهة الحب القديمة و إستعاروا
للحرب أقنعة – إلاهي
ضاقت بنا الاسوار و إمتد الحصار" ( ص 81)
فالدم المباح الاخضر هو رهين للحالمين بجنة خضراء يرشح نفطها ، فالثروة النفطية هي بالنسبة لامريكا الجنة الخضراء التي تبيح الدماء، لتعود لنا للاذهان محرقة الفتوح التي راح ضحيتها الكثير، تبرز لنا مفارقة ساخرة أخرى هو أنه لو كان للشعر أجنحة لطاروا ، فالشعر عنوان المشاعر النبيلة الصادقة و رسالة الحب الصادق صار معبر للوصول لالهة الحب القديمة، ففونيس إلهة الجمال و الحب هي ملاذ ، فالحرب أقنعتها كثيرة و مباحة، فإذا كانت العراق موطن الجمال و الخير هي إلهة الجمال فالحرب وسيلة و مبرر للوصول إليها، فالنفط صار سر البهاء الذي شرع الدم ، ليكون الرجاء من الذات الالاهية بعد أن ضاقت الاسواء بالعراق و إمتد الحصار حاملا قناع حرب تنبئ الى عصور لم نصلها ، فمستقبل العراق مرهون بالاقتصاد المتجسد في  النفط كثروة ، و قد أستنزف ظلما و فرض حصار جائر سيحمل سواد و ضبابية لزمن آت ، و تتواصل لعبة تفكيك الدوال كاشفة عمق الجراح .
                           " الى عصور لم نصلها بعد
                           هبنا من لدنك رحمة
                           أحلافنا نكثوا العهود..
و حولنا نقع يثار
و كأن بين البربري
و بين هذا الكون ثأر
ملعون حام يا أبي
و مبارك سام و تلك مشيئة الطوفان
في العهد القديم .. فلا مفر و لا فرار " ( ص 81)
تطالب الذات الرحمة من خالقها كونه السند الوحيد، فأحلافنا العرب نكثوا العهد فقد أصبحوا شبه أعداء بعد تخليهم عن فلسطين و العراق و ما النقطتين إلا إحالة عن مسكوت عنه يتوارى لا يريد الافصاح عن جور و جبن الاخوة العرب ، و هناك جرح بدأ يتأصل و يزداد لانه مس عضو من جسد الامة و آثار الفتنة ليكون شبيه بثأر بين البربري و الكون و هاهي اللعنة تحل لحام و تبارك سام ، فالعربية في واقعنا صارت غير جامعة كون أن هناك حلقة مفقودة مجسدة في دولة منسوبة للعربة، و لكنها تعاني الجور و الحرمان ، لتكون هذه هي مشيئة الطوفان الذي تعود جذوره منذ القديم ، فلا مفر و لا فرار فالقرار محسوم ، و الصراعات مشهودة، فهل سيستيقظ العرب من غفوتهم و يدركون ما سيحل بهم ، نتيجة غياب الوحدة العربية  فهاهو الاب مرة أخرى يغيب دونما مبرر ، هاربا من مسؤولية ضرورة خلق باب حوار مادام كلنا تجمعنا روابط واحدة و مصير واحد.
تواصل الذات الشاعرة عبر الدوال اللغوية كشف مكنوناتها الجريحة متسلحة في كل مرة بالتأويلية كإجراء متتبعة مسارات السيميوز المؤدية الى تناسل الدلالات و تداولها.
" ناح الحمام ، فقلت مهلا جارتي
لست الامير، و لا الاسير
و السجن ليس أحب لي ..
من طيب فاكهة السرير..
لا لم أر في الحلم بقرات عجافا أو سمانا
أي ألهة تزج.. برغبتي في التيه في الكهف الكبير
ملعون حام يا أبي
ملعون ذو القرنين ، ملعون هرقل
ملعون كسرى ، و الحطيئة..
و  المعري ..أي آلهة تزج بشاعر
في هذه الصحراء .. في هذا المصير
فلتنفخوا في الصور ...و ليعلوا النفير .." ( ص 82)
تفصح الجملة الفعلية عن مونولوج داخلي لذات تعاني المرارة ، فالحمام رمز السلام و الامان " ناح" و النوح دليل الحزن ، فلماذا ناح الحمام يا ترى؟
لان السلام صار شعار لا واقع حتى صار الحمام لا يطيق رؤية الظلم فناح ، إن هذا التساؤل جعل الذات الشاغرة تتحاور و تكشف عن مكنوناتها ، إنها تدعو الحمام لان يتمهل بإعتبارها جارته ، فالجوار هو علاقة الحميمية الرابطة لنفس المكان و المولدة للمحبة ، لذلك فالنصح صار واجب، إن الذات الشاعرة تكشف للحمام همومها لانه الونيس الوحيد فهي تقر أنها ليست الامير و لا الاسير ، فالامير صاحب الامر و النهي و في هذا إقرار بضعف ذات لا حول  و لا قوة لها، كما أنها ليست الاسيرة فهي تنزع عن نفسها أن تكون مقيدة و مكبلة كما أن السجن مكان العزلة و القيود ليس أحب للشاعر من طيب فاكهة السرير، و في هذا سخرية مقنعة لواقع مر تحكمه شعارات كاذبة تبعث نشوة أمل لن يتحقق ، و ما دلالة النقطتين .. إلا دليل حسرة عن مرارة مسكوت عنها، ليكون الاقرار بأن الحل ليس بأمل زائف نتيجة أحلام نراها ليلا فلا تتحقق نهارا، ليكون الاستحضار لتناص القرآني لسورة يوسف و رؤية الملك للرؤيا التي عجز عن تفسيرها إلا يوسف عليه السلام ، و لكن هذا التناص تم إستحضاره إستهجانا لعرب متواطئة ترى و هي مكتوفة اليد، لتكون الصرخة من ذات شاعرة ترفض عالم الرؤى و تناشد معايشة الواقع " رأى فرعون في منامه أنه واقف عند النهر ، فخرجت منه سبع بقرات سمان، ورتعت في الروضة ، ثم طلعت وراءها سبع عجاف فأكلنها ، و سبع سنابل يابسة إبتلعت سبع سنابل سمينة ...، فأرسل فرعون الى جميع حكماء مصر، و قص عليهم ما رأى ، فلم يعرفوا للرؤيتين تعبيرا ... ثم ذكر رئيس السقاة يوسف لفرعون و قال إنه عالم بتعبير الرؤيا،فأرسله إليه، فقص عليه رؤيا الملك[19] .
يحيلنا يوسف  بأنه المخطط و المدبر  من خلال سياسة إنتهجها لتفسير الرؤيا ، فحسب ما ورد في القرآن الكريم قوله تعالى في سورة يوسف الآيتين 47-48 " قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ }.
تفصح الذات الشاعرة عن رفضها التنبؤ ، فعالم الرؤى الكاشف عن الغيب لم يكن من نصيب هذه الذات التي رفضت الامارة و الاسر و السجن و الحلم ليكون السؤال المحير محرك المأساة و صانع التيه و الضياع ، فالذات تتسائل عن أي آلهة تمتلك القوة  تزج برغباته في هذا الضياع في الكهف الكبير.
فالكهف الكبير علامة تدل على العزلة و الضياع فلماذا تزج الالهة ذات شاعرة ترغب بالتغيير فيه . إنها الامال المكبوتة في واقع يؤمن بالصمت لا بالكلمة فرسالة الذات عجزت عن التعبير و التغيير فما وجدت رغاباتها في نهوض العرب إلا تيه و ضياع و حرمان ، ليتواصل الامل في مناشدة الاب الغائب الذي فضل الرحيل تاركا روح المسؤولية ، و تبقى اللعنة تفصح عن لاحتقار لهذا الوضع المزري لتلحق  بحام الرامز للحامية، و ذو القرنين الذي غرته أمواله فما كان إلا أن لقي مصير الدمار، و هرقل الرامز لقوة الروم و الواعد بمدينة الخراب، و كسرى الرامز لشوكة الفرس و الحطيئة ذلك الشاعر الذي عرف بالهجاء و المعري الذي تحدى العالم بشعره أنا الذي نظر الاعمى في أدبي و أسمع كلمات من به صمم .
فالكل ملعنون و ما النقطتين .. المخترقتين لبياض الصفحة إلا دليل عن حسرة لرموز مغيبة في واقعنا ، ذكراها تبعث فينا اللعنة، ليتكرر السؤال مرة أخرى أي آلهة تزج بشاعر، و لكن المكان هذه المرة هو الصحراء ، فإذا كان الكهف الكبير مؤشر العزلة و الحرمان ، فالصحراء رمز القحط و الضياع ، فلماذا هذا الاختيار القاس من طرف الالهة أهو القدر ؟ بتحاور الذات نفسها لعلها تجد الاجابة ليتوارى مسكون عنه آبت النقطتين ..إلا أن تكون الفاصل لتعبير عن قنوط من وضعية مأسوية عبرت عنها الدوال اللغوية بالقول " في هذا المصير" فالالهة مخيرة بين كهف كبير أو صحراء أو هذا المصير الذي تعايشه الذات الشاعرة: ليكون القرار الاخير و النصح محرك الشاعر النبي الذي رغم المعاناة مازال يناضل ليأمر الجميع " فلتنفخوا في الصور .. و ليعلوا النفير.
تخاطب الذات العروبة المقنعة آمرة إياها بالنفخ و في هذا دلالة عن السخرية بإعتبار النفخ لا طائل منه ، فالهواء الصادر عادة من النفخ لا جدوى منه و هو مقرون بالصور، فأي صور تقصدها الذات ، أهي الاثر الناتج عن الاصل أم الذكريات التي لم تبق منها سوى صور لتكون النقطتين .. شاهدتين عن عرب لا تعرف إتخاذ القرارات الصائبة فهي تعبث لا مبالية أمام حصار العراق و موت الفلسطنين ، لتتكرر سخرية أخرى مع فعل الامر و ليعلوا الذي فيه إحالة للدعوة للمزيد من النفير و ما النقطتين إلا دلالة مسكوت عنه يتوارى عاجز عن وصف حالة عرب باعت عروبتها و أفسحت المجال لكتم الحق و إعلان الجور، و ها هي الدوال اللغوية تفصح مرة اخرى عن مونولوج الذات  الشاعرة التي ترى الحقائق بمنظارها عبر رحلتها الباحثة.
" لا در درك، يا إلاه البدو.
يا رب الخورنق و السدير...
ناح الحمام فقلت  مهلا جارتي
سقطت حلب..
في أيدي يوسع
و العراق يخر كالثور الذبيح ..
بحد أسياف العرب
ناح الحمام فقلت مهلا جارتي
عادت حلب
للروم ثانية
و عاد أبو لهب
لشعاب ممكنة يحشد الاحلاف ف شغف
و يضرم في الحطب
نار الوقيعة و الخديعة و القطيعة و الغضب" ( ص 83)
تطالب الذات مدارة إلاه البدو، طالبة الحماية مذكرة إياه بأنه رب الخورنق و السدير، فالخورنق قصر بالعراق بناه الملك النعمان الاكبر و هو رمز من رموز العراق الخالدة لتكون النقاط الثلاث دليل طلب العون بعد إنقطاع الرجاء لتكرر الجملة الفعلية موضحة مدى حزن الحمام الذي ناح من شدة التأثر لتحاوره الذات بضرورة التمهل ، فالجوار يفرض عليها ضرورة النصح تذكرها بسقوط حلب التي تلتها نقطتين .. كإحالة لضياع المجد، فالسقوط كان في أيدي يوشع، و في هذا إستحضار لقصة النبي عليه السلام فقد طكر أن " قاد يوشع بني إسرائيل من التيه ، و عبر بهم الاردن الى بيت المقدس ، و دخل بهم مدينة أريحا في فلسطين ، بعد أن حاصرها ستة اشهر متتابعة حتى سقطت، و دخلها بنوا إسرائيل  بقيادة يوشع بنون الذي كان نبيا و قائدا شديدا و شجاعا ، و سلبوا ما فيها من أموال ".
فاستحضار السقوط هنا فيه تذكير لحصار العراق الذي شبهته الذات الشاعرة بأنه يخر كالثور الذبيح، فالثور رمز القوة يذبح بحد أسياف العرب فلا رحمة و لا شفقة ، فمادام الحصار مقام و الجور مطلق و الصمت قابع و العرب يشاهدون ، و عن الدفاع يحجمون فهم متواطئون ، و للعروبة متنصلون و هاهو الجرح يتكرر معبرا عنه بالمدلولات اللغوية التي تفصح عن حزن متواصل لحمام قرر أن ينوح و مازالت الذات تخفف عنه و تدعوه للتمهل و حلب الامس عادت للروم ثانية ، لتتكرر مع قصة العراق فالحصار عنوان حرب مقنعة فرضتها أمريكا الطاغية ، فرئيسها يذكرنا بأبو لهب و هو يحشد اليهود و يضرم الحطب و يحارب المسلمين بالوقيعة و الخديعة و الغضب مثلما يفعل الرئيس الامريكي الذي يزيف الحقائق و يبرر الحرمان و ضرب الحصار بالمصلحة و يصدر السلام بقتل الطفولة بتشريدها و حرمانها من الدواء و الغذاء ليشعل نيران الفتن، بحشد وسائل الاعلام و أحلاف همها مصالحها إنه الواقع المر، فالعراق كعضو مبتورة تئن وسط عرب يرى و يصمت ، و يتوارى لعله يجد السبيل ليخفي الجبن الصارخ الذي إنكشف مع كل آهات العراقيين المكان الغني بالخيرات و الذي لم يجد من الاخوة العرب إلا التملص و التخفي .
و تبقى لعبة تفكيك الدوال تحاول في كل مر؉ القبض йلى المعنى و هو يزداد تغنجا و دلالا ؈ طالبة مرة أخؑى العون من قبير الالهةمستحȶرة صورȩ هبل كبير ئلالكة قديما سارد وا؂ع أحداثها م؁يرة .
" لبيك يأ هبل
إن ضئقت السب؄
كانت لنا في ما مضى مدц
و كان ئلكون شاغб
و السɅاء رديمء الؤدوى
و جاء الرب في ما بعد ثاЦر
فتـبل ال؂ربان хن رȧع
و لما يقبل من الفلاح بقلا أو فواكه؛
و تكاثر الشعراء...
جدف يا أب؊ ...
لاؒال في الأفاق متسع لهرجتنا
و في اللغة القديمة فسحة لфشعر
جدف يا أبي ...  ( ص 80)
تذكر الذا؊ الشاعرة ربها المقدأ بما كان لها من مدن قديمة جاملب تاريخا و أمجادا، و م؄ ثمب فالعاـم قان شاعرا لا يحتاج منئ التضحية بإعتبار أن السماء التي فيها إحالة للرفعة و السمو لا طائل ـنها فهي عديхة البدوى لا نحتاج منهئ العون فالمدن ملكنا، لتأتي الاحدات ȧل؊ي هزت الكون ، فالرب إلذات المقȯسة المتعالية قد جاءت بعد هذا الأكون ثائرة فقد بقبلت من راع بسيط القربان كعربون رضا لكنها لم تقبل من الفلاح  بقلا أو فواكه و هذا إنما يحيلنا لدراية الرب بالنшايا ف䙄يس كل قربان خا؄ص النية ، و هذا يحيلنا بتفحصنا للبنيان العميقة عل نوايا ال؉رب الخادعة فشعاراتها ظاهريا صادقة و لكنها لم تزيح الغبن عن فلسطين أو العراق و قد تم إزتحضار التناؕ مع قصة هئبيل و قابيل "
فقام قابيل و جمع حزمة من Ȳرعن زيئة يابسة و لا تصلح ـشيء ، و قربهإ قربانا ، ـ قام هابيل ، و علح الى أ؈كار من سمان غنمه، و قذبها قربا؆ئ ف؊قШل اـلهقربان هابيل و لم ينظرإلى قربان قابيل ، فإغتاظ قابيل ، و قЪل أخاه هابيل في الحقل".[20]
إن الذات المتعالية المقدرة تعلم خفايإ ألنفوس لؠلك فهي تقبل قرب؇ن التوسل إلا من أصحاب النوايا إلحسنة بينما ترفض من يЪقرب طمعا ، фتتواصل المدلولات اللغـية ذاقرة المعاناة " فالشعراء تكاثروا" و الكل حا؅ل رسالته التي تعبر عن مكنوناته و ما دلالЩ النقاط Чل؋لاث إلا دلي؄ الحسءة علو كثرة الكلال دونما رد فعل ، ليكون الامر موجɇ للاب الراحل الذي أتعب الذات Чلشاةرب في البةث بال؁عل " ج؏ف" فئ؄مؤشء اللغوي يشير للهروب من الاحداث التي تحتاج مهاءة ـ حنكة فъ التعامل ، و ما دليل الن؂اط ال؋لاث... إلا إحالة لواقع مر آراكمت فيه لاحداة فكونت بحر إلهلوم ، ليكون قرار الذات إلشاعرة بإعلان الهجرة  مادامت الافق م؊سع؄ فحصار ا؄عراق يومئ بحر؈ مقنعة Ʉها مص؇لح غرب؊ة ، لتكون أخيذا اللغة القديمة كعنوان للاصالة ـيها فسحة الشعر المعبرة عن اɄمظاناة ليتكرر الطلب لرة Уخرى فɆ الЧب أن يجدف بإعتبار أن البركا؆ ثائر بعد أل ضاقت كɄئلسبل ، ؈ ما دلالة النقاط الȫلأث إلأ دليل Эسرب ؙلى ـاقر مزري ، و وبقى البقاض يخبرق الصفحة كجزء يتوارى فيه المؓуوت عنه آملا ف؊ إستيـاظ إلاب اɄؕامت ؤلذъ لم ъقم Шأي رد ـعل و  تتوارل الدوال اــزوية  ف؊ سرد المعاناة ا؄معايشة .
" فالبحر لا يهذي
و من عاداتنا مذا الرحي؄ ȧلى ئلجهات Чلعشر
جدف يا أبي
س؆جوب كل مسالك الرحرУء
بحثا عن إلاه آبق من بيت إبراهيم
مازالوا ع؄ى الةهد القديم .
يبادلون الارض بالتورئة
مازاـت زياتين الس؈احل
عرضة للنهب بالوعد الالاهي؛
و لا يزال إلاه موسى مقاتلا فذا ...فهل تфчو الاسااير القديمة بالوقائع يا أبي ؟..*  ( ص 8!).
تقر ا؄ذات الشاعرة Рأن البحر ؄ا يهذي ، فهذه حقيقة مؤكدة ؁الهذيأن مرتبط بالحم؉ كإحالة للمذض و لكنɇذا البЭȰ قدرɇ الثوران ȯونما أسباب، فأحداثه مصطنعة خادمة كفة قوة ؅تجبرة إسمها أمريكا، لذلك فما علقنا إلا الرحيل الى الجهات العشر كؤحإلة لضياع ـتيه وسз جور مفروض علينا، ليتكرر الامر مбة أخرى сي مخاطبة الاب " جدف يا أبي [1] بإعتبارن المسؤول الءاحل فم؇ علъه إلا أن ي؎ـض تبربȩالتجديف فالواقر لا متغير ، فسنجوب كل مسالك اɄصحراء كعنوان للتيه و الضياع بحثا عن إله أبت كدليل على القدسية مل Ȩيت إؠراهъم ، فЧلالهة فو عهدها القديم كانت رمز العبودية و القداسة و ما دلالالة الققاط الثلاثЩ... ؤلا دليل الئ؊اع في ؇لبحȩ دونماجدوى ، لتذكر الؠЧت بأنهم لاذالوا على العهد القدو؅ يبادلون الارض كعنوان الȧستقرار بالتوراة فكأنما المبءيعة ترفض اي قداسة إلا للآوراة ؄ ل؊كشف السخرية عن المبرءا؊ الـاهيةɄاطماع غбيبة آنهب بإسم العدالة " فزياتين السواȭل" كإحȧلة ـلخيرات عرضة للقهب من طرف اليهود ؈ أ؅ريكا مبرها إلوحيخ ال؈عد الالاهي و هنا تتجلى المفارقة الساخرة فالابن كرفز ɄلقداسةصЧر عنوئن للنه؈ والاستيلاء على الارض ، ل؊تم إستحضار إورة فرعون الطاغية المȪخفية بإرم إلاه موأى Хلذي رفض ا؄استسلام معلنا أنه الرؠ الئйلى فهاهو قتكرر مع كф ااتيء يذو ءنه مقاتلا فذا لتكون النق؇ص ا؄ثلاث... د؄يل جـر لشهود و لكنن مزكوت عنه؄ ليع؄ن التسئؤل المحير فهل تكون الاساطير القخيمة كرموز للعبوخية مؕدر لنو بواقع معايشة هذا ما تبحث عق؇ الذات في إستفȲازها لـاب اфɅفـوخ الغاȦبالذъ يتواؐى دɈنم؇ إجابة ، لآقون ا؄نقاط الثلاث دليل تين يتمنى أن يجد ما يشفي بليله من Хجابات بعد التضليل و الضبابية و تبقى لعبة تفكيك الدوال تكشف في كل مرة عن مونولوج داخلي لذات شاعرة رافضة جبن الاب المتواري و الراحل دونما لا مبالاة .
              " و يخوننا الرسل
             لبيك يا هبل
             عثر الغزاة على رسوم لي على الجدران
             فانتسبوا إلي و أنكروا نسب المكان
             عثر الغزاة على خطوط لي على الكهف القديم
             فحملوا لغتي عقائدهم
             و أغراهم من السحر البيان
             عثر الغزاة على وسائل أهلنا في الصيد
             فاحترقت عمائمهم و خروا سجدا للسنديان " ( ص 86)
يفصح الخطاب الشعري عن خيانة الرسل، فالواقع لم يتغير و المشهود للعيان زعزع الكيان فما كانت التلبية إلا لكبير الالهة " هبل" الذي يحمل عنوان القداسة و القوة لتعلن الذات المتحدية عن عثور الغزاة على رسوم الشاعر على الجدران ، فالاثار متبقية و لا مجال لمحوها ، فكأنما رسالة الشاعر ترفض الانحناء معلنة تحدي صارخ فما كان سنهم إلا أن ينتسبوا لهذه الذات الرافضة و المعلنة للبقاء لينكروا نسب أنفسهم للمكان ، إنها سخرية مقنعة ثاوية في البنيان العميقة الكاشفة على بحث للغربي على الانتساب لكل ما هو مجيد في التاريخ دونما مبرر و رفض للانتساب للمكان، فالهدف هو النهب و الاستلاب، لتتواصل رحلة العثور فهاهم مرة أخرى يعثرون على خطوط الشاعر موجودة في الكهف القيم فكأنما النقش و الاصالة المتوارثة تعلن حق الانتساب فلا مجال للجور أمام حفر الذكريات ، لتكون اللغة المقدسة وعاء تحميل للغزاة لعقائدهم الزائفة إنه التضليل و التزييف فاللغة مقوم الامة العربية و عنوان أصالتها فيها من البيان لسحر أغر الغزاة فحملوها عقائدهم التضليلية ، إنها الرغبة الجامحة لسلب هويتنا العربية و طمس معالمنا الحضارية ، و هاهم الغزاة مرة أخرى قد عثروا على وسائل أهلنا في الصيد كإحالة لمصدر رزقنا منذ القدم إنه البحث عن سر التواجد و الكينونة التي صدمتهم فاحترقت عمائمهم كدليل على فتح جراح التاريخ و ذكر بطولاتنا التاريخية التي رسخت معالم الفروسية فما كان من الغزاة إلا أن خروا سجدا لسنديان رمز الصلابة و التجذر ، فالعمائم الدالة على الاصالة لم تجد إلا حريق الفتوحات لتحرقها معلنة أن أصحابها ليس هؤلاء الغزاة و لنا في التاريخ عبر و مواعظ ، و تتواصل الدوال اللغوية ذاكرة مآسي اللامبالاة معلنة التحدي الصارخ رغم عدم الانصاف منادية في كل مرة أب راحل تاركا وراءه أبناء يلهثون محرمون متملصا من مسؤولياته .
" عثر الغزاة على رفاتي يا أبي
فتقاسموا بالعدل جمجمتي
و نادوا بالامان ...
و البحر أخرس ، لم يقل شيئا
و لم يشهد لنا بالسيف في علم الملاحة
هكذا التاريخ ليس له لسان
فاظفر بموتك يا أبي
لن تستعيد القيروان " ( ص 86)
تتكرر العلامة اللغوية " عثر" التي تومئ لتحصل حاصل ، فالغزاة أصحاب العثور لهم السبق وهاهم هذه المرة يعثرون على رفات الذات  الساردة إنه التجذر في المكان فالرفات فيها إحالة لتواجد منذ القدم و هذا ما أوضحته الذات مخاطبة للاب الراحل محركة مشاعره لعله يرجع مذكرة إياه بسخرية مقنعة ، أن هؤلاء الغزاة تقاسموا بالعدل جمجمته ، في هذا دلالالة ثاوية لنهب الخيرات المستمدة في أرض العراق منذ القدم بإسم عدالة مقنعة ، فالجمجمة كإحالة للكيان المتوارث التي نسبها الشاعر له هي دعوة لتحريك عروبة صامتة لواقع مر، و هاهو صاحب العدالة المقنعة أمريكا ينادي بالامان ، إنها سموم الافاعي التي أحالت لها النقاط الثلاث ... داعية لصمت رهيب لغزاة غرضهم التدمير و السلب ، و هاهو البحر الثائر أخرس ، لم يقل شيئا فهو رمز كتمان الاسرار و دفين الامال يعلن صمته القاتل ليزيد الطين بله ،ينكر بذلك بطولاتنا و فروسيتنا ، ناكرا سيفا في علم الملاحة، رافضا الافصاح عن شجاعة أرضخت الغزاة قديما، ليكون عمق الجرح الدامي فالتاريخ الشاهد بالبطولات صار دونما لسان مادام العرب صمتوا و هم من كانوا قديما أصحاب الشهامة فما كان لتاريخ إلا أن أنكرهم ، لتكون المهزلة الكبرى برحيل الاب رمز العروبة ، لتخبر الذات الشاعرة إعلان الفوز بالموت لاننا لن نستعيد أمجادنا ، فواقعنا مر حمل مآسي فلسطين و حصار العراق و نحن نشاهد صامتين ، ليضيع المجد أمام أعيننا يذكرنا بتخاذل و جبن واضح للعيان و ما المساحة البيضاء الفاصلة إلا دليل الحسرة المسكوت عنها، و تبقى لعبة تفكيك الدوال تواصل كشف الجرح.
" أصغي لهمس حجارتي
و حفيف أسواري ، و أذكرها كثيرا يا أبي
و أود تقبيل الحروف لانها مدني ..
أصغي لهمس مراكبي
و حفيف أشرعتي ، و أذكرها كثيرا يا أبي
و أود تقبيل الحروف لانها سفني " ( ص 87)
تفصح الذات الشاعرة أنها الفاعلة المحركة للاحداث ، فهي التي تصغي لهمس الحجارة ، فالمؤشر " أصغي" كشف حركية تخترق الصمت و السكون بإعتباره أحال لوجود همس لحجارته ، كما أنه أحال لحفيف أسراره ، و هذا إنما يدل للرفض لصمت خانق سمعته إلا ذات شاعرة تعرف هذه اللغة ، و تريد إيصالها كرسالة للاب الراحل مبينة له أنها تود تقبيل الحروف بإعتبارها تجسد مدنه، إنها لغة مشاعر المحبة المنقوشة كتاريخ لامة وأحدة، فالشاعر يرى نفسم جزء من جراح لابد أن يعايشه؇ و ما دلالته النقضتين .. إلا دـيل ئلحسرة المسكوت ع؆نا .
و يتكرر الхؤشر " أصغي " كخلالة عـ؉ خءق حأجز الص؁ت ليكون الكاشف و الموضح للخفأيأ ، فنمز مراكب الذات الشاردة صار مسمшعو هو لغة مفчولة Хلا لها كما أن حفيف " أдرعته " قد أفصȭ أيضا إلا لهذه الذات إلتي أكدت فيكل قوة فهمها ، فالمراكب H الأؤرعة فوهما إحالة للءحي؄ و سماع ما تريد قɈله هو لغب مفهوфة إلا لذات تعلم مرادها ، تذ؃ر "الآب" مرة أخбى لعله يحس Ȩها و تكشف له أ؅نъبه في تقؠيل الحروف كدلالء قدسيتها كونها سفه .
فالرحول مزلكه السفن كمورل آمان، و чذهالؠات Ъدرك ضرورة ؅خ؊يارالسبيل للوصول الى بر ؇لسلام ، و لفن هل الأم؇ن قرين الرحيل ؟ ؇ذا ما يعذب الذات و يسائلها و تواشل لعبة ا؄دوئل كشف مكنونات الذ؇ت المعذبة*
" أصغي لقرع طبولنا              و حفيف رئيأتي و أذكرɇا كثيرا يا أبي
و أمرد تقبيل السيوف لأنها وطني " (ص 87)
يتكرر الفعل " أصزي " كإحالة للإدراك لقرع طبولنا ، لتتجلىهنا الأزرار الدفينة للبنيات العميقة للنе الشعر䙊، فالسبـل تقرع كإعلان و إيذان ؄حدث آت أدركتهالذات اȄشءعرة نظرا لحسها المر؅ف، لبصغъ مرة أخرى фحفيف راواتهئ فكأنما تتعمد حشد كل لا يحرف الإمت لتذكره للاب الر؇جل الصامت المت؈اري  لتكȴ؀ ؇لامنية في تقبيل السووف المحلية للشهامШ و ئلشجاعةبإعЪبارنا وطنه ، إذن موȷن الذЧت متعلق بتقديس لغة السيف إنها الرلاقة ال؍ميхي؉ الرافضة للجب؆ اـعربي الحالمب بنهضة و ثورة فظلية ، و تبقى الذات الشاعؑة توارل كشف الصمت اـتانق و الجبن العربي غيذ المبرر .
" عقب الدياذ فلا أرى
في ألحي кير رفЧ نارك يا أبق ..
و رفئتآلهآي القديمة
    و الوصا؊ئ السؠع في ألواحها ..             إحترق الцشود ..             фا وقت ـلإنذاد [1]
يناؔد الخطاب ئلشعذي الطلل و يسائله مثلɅا فعل شعؑاء العصر اـجاهلي Ȩكئء على رسوم الإبيب؉ لقستحضر ما أنشده لبود بن ربيȹة .
عقب الديار محلها قمقئمهؤ بمنى " تأبЯ ؚولها ـرجالها .
و لكن الحي الذي تمت مسائلته ؄م نجد فيه غير رماخ نار الآب ، و Ʌا المؤشر " ر؅اد" إلإ إحالة على حماسة ماتت مثلما إحآراق النار ؈ تحوله رماد، ȥنهاالالالا؊ ا؄متناسلة ئلثاوية Ɂي البنيات العميقة قد بدأت تتكشف ليسقط زيفالأـنعة فالعروبة ما هي إфا نار خلفت رماد مءدامت لمتصارع حـبة الأحداث الرإمنة و ما دلالة النقستين إلا حؓؑة على صمت و جبن وأضح للعيان ، ـإلى جانب ألرماد ألملسوب ـقلوب خاوية من مبؠة أɈصال روآبط ا؄إخوة ، هاهم اللكان يشهد رفات آلهة قديمة كؤح؇لة لقدسية المكان ـ إنتسابه لحضاбات متوالية ، و ما الوеاقا إلسبȹ في ألواحها إلا ثليل ؄رغبة في تخليد الءحداث .
و هقا تقرر الذات المعذبة و Ȫصȯرها قراȱها ؃لفاصل ȨإحЪرا؂ اـلش؊د уإحЧلة لشؙاؑاТ Ɉ كـɅأت لا طائل منها و ما دلالة النقطتون .
 إلا دلقل مسكȀت عنه يتوارى لا ي،رؤ عل؉ كشف المزJد من العار العربي ؈ فلا وقت للانشاد ، ؀حصȧر العراق إذإن بحرب مقنعء ستسقطف؊ها حضارة ألة بأɃم؄هأ ، ففن؈لالحرب فب؊كرة تباشيرقئ باأت كاذсة جъبة Ќ لتوارل لعبة تɁكيك الدوال مبينة خطر خاهم تحاو اذات الشاعرة المتنبئة الآحذير نه.
              " فازرج خيل قومك
             و أدع ربك ينقذ ئلبيؠ القدقف
             من فيل أبرهة ا؄جديا ..
    لئ ـقت للإنشاد ..
       فاسرج Юيل قومك
             و ءدع ربك .. كي يلين لنا الحديد " ( ص 8(
09 ) .
تأمر الذات Чلдاعرة " الءب" الراحل بأن يسرج خيل اфقوم فهو الحاكم ـ الراعي المأؤول عن الذود لذلك فمن حقه هو وحده أن يسرج الخيل ، فالفر؈سية رɅز الشه؇مȉ و أـاحالجفاع عن ألوطن و العرض منذ القديف، و العربي الفذ هو لن ؊دافع فعلا لا قولإ ، و علوF كانЪ الخيل وȓ؊ـة فعليȩ للؔهامة  و الذود ، الأمر " أدع" يتخطى حا،ز الصمت بضلب اـاعانة من أقرب اـر؍؅اц الك؈ير Ʌن أن ينтذ البيت القدوم من قبل أبرهة إلجديد ، إقه ال؇زتحضار الخأخم للغرض فأبرهة الтدقم جهز الفيلة " قاصدإ" تةطيم الكعبة عابثا برموز قدسية الفكЧن фي؆ال ظقا؈ч المستحق ، و في هذا Хستحضارا لقوله تعالى في سوءة الفيل اфاياȪ 1، 2، 3، 4، 5 " أَلٌمْ تَرَكٌيْفَ فَعيلَ رَبُّكَ بِأيصْحَابِ الْفِ؊لـ(1)أَلَمْ يٌ؈ْعɎلْ كَيْЯ؎؇ُمْ فِي تَضْلِيلٍ " تتكرر ȧلشورة مرة آخرى  و لكن هذه ؇لمرة مع أبره؉ اɄجديد إ؂ها حكومة أمذيكا؇لظالمة الداعية لحرار  ءɂتصادي للعراق حآى تغلق عليها хنافذ المساءدات ليكون هذا ؤعلان بحرؠ قادمة عبذت عنهئ النقط؊ين ..الدالتɊن عن حسرة لما آلت إليɇ الأوزاع في واقع صنعته مرئرة التخاذل التي تكرȱ فيها ئلنصح مؑة أخرى من ذЧآ آبت أن تغامذ باحأة عن Тلأ( أȄȱاحф آلرȩإياه بأن ɊستعȮ لخوض ئلحرب بشجاعء و ش؇امة مذكرة إياه  بأن لها آجذر ف؂ فروؓية آبت إلا أن تعЧد و تسآحضر بالتذكير بУهمɊة ئلجيل كم؄شر حئل على الشجاعة و اـدفاع ةن Уلوطنو تبقى الؤظЧ؆ة ȯو؅ا م؆ الربالذ؊ تلته ققطتين كإحال؉ للأكوت عنه أذا؏ إلئ ؂Ɇ لا يفصح لا؆ الكلام عاجز عن الوص؁Ќ فالدعوةوالرجاء رهينة لين الحديد ، و هذا Ɂيه تحد كبير فالحديد رمز الصلابة نجد صعوبة في لينه، و لكц قȳاوة الйرب الشبيهة به تبقى أملȧ داؙيا فيأن تلين و Ъتفكر ـي المصȧئر المشتركة ، сاـأمة كالجسد الواЭد إذا إشتكى عضوإ تد؇عتله سائر الأعضاء بالسهر و الحلى.
و تتواصل المتن اDذظري كاذفا عن ؅كنونات الذات المعذبة ȧلتي آبت إلا أن تفرح ظبر ئلدـال اـلزوية عن معاناته؇ ، و هي تحاور الأب الر؆حل لعلما تجدɇ فتقنعه و تذكرم بدورها كذأй مسؤول.
             " لا وقت للإنشاد
             فأسرج خيل قɈمك ..
             سوف أنبو يا أ؈ي
             منهم و منك
             و من سنابكخيلɃم .. و ȵهيلها
             و سداا رأيكيا أبي ..
             و طؑيقة الروماц في إعدام أسرإهم
             و أنؤو من جدي؏ ..
             من نار أهل أنكروا زمة ا؄نب؈ة
       فъ مخيلتي ، و سئفوني اфعذاب
             فصارت اـثيؑان بردا يا أبي
             مل مل مزيد ..!!( ص 89)
تتكرر ؇لجفلة الاسموة مرة أخȱ؉ уتعبير عن جبنظربي واضح " لا ـقت للإنشاد "فالشعارات و ؇لكلمات اـواهية لا جدوى منها و لا رائل
 واثقة الوحيحة الآي ستحفظ كرأمتك أيها الأب ا؄راحل هو أن تسرج خيل قولك،فالأتحاد                                        و إتبيار خيل واحȯ ؄Ƀل ال؂ـم تحت ȴعار فؙلي و؇ضح هـ المسلك الوحيد фـنجاة و ؇لنقاط الثلاث ... إلȧ إحال؈ لد؄الة مخاطب غائب آوارى ليبɂ النصح هـ الملاذ الوجيد لتذكوره ، ليكون الفصل الأخъر ؈قرار الؐإ؊ الراحلة إعلان النجاة من " آب " صار الحلم في إيجاده لا طائل فنɇ مثـمФ آنقرار ئلنجا؉ من هȤلاء الظالمين ةلх يراودها ؈ فخيولهم الرامز؉ Ʉلصغيان شار؊ عنوالا للجود الحاصللذلك فالحلم للهروب منكا صارا ملإذا ، فحتى صهولهȧ Jحيт الذات الراوية لأنها تدرك حجم المعاناة لتوЇصل اфسخرية تحليأتها ع؈ر ؤلدوا؄ اɀلغوية ؇لكاشفةقȱار بسداد ر؃؊ الأب المعɄ؄ة لفɂض ذلف ؈ ؁المخاط؈ الر؇حل غȧ؏ر معلنا جبنه و ما الالةالنقطتين .. ءلا دليل ال؍سرة عن قرا1ات لا جدوщ م؆ها جعلت الذات تتملصمنها، مЫلما فرت من جحي؅ الхوت التي аكرȪه بطرققة الرومان في إعدام أسراهف ن إنه الȪاريخ يعيد نفسه مع هذ؇ الواقع المرير الذъ Уؙاد نفس الصوء хع ȁ؄سطين و حصاؑ العراɂ ، ـآكرر Чلعلامةاللغوية " أنجوا"  كإحالة لأمل منجديد ـلنجاة و ما دلالة النقطتين., إلا دليل ȹلى حسرة ل؃حداث مرتكبة مȳكوت عنها أ؈ي الشاعر إلا أق يلجو من نار ؃إحأ؀ة لЄاكبواء لȣهل أنكروا سمة النبوة لɇذه الذات شرطȧ لآنؠؤ еار مجرح خيال متعلق بالشاعر ، و لم يتوقف عند هذȧ ؇لحدفقط لقب بالعذاȨ و لكц чذه ال؆قران لم تكن غلا بردا مثلما حصل لإبراهيم عليه السلام الذي نجاه الله من كɊد الكافرين  قوله تعئلى في سوءة العنكبوت الآية 24 "فَمنا كَانَ جَوَاؠَ قَوْمؐهِ ؅ِلَّا أَن قَالُـا اقِتَلُوهُ أَوؒ حَرِّقُوهُ فَأَنجَا؇ُ اللɑَهُ ؁ِنَ النّɎارِ إِنَّ فِي ذюلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ "(24).
تطالب الذات الشاعرء بالمزيد كتحد و إعلان لموئصلة ألرحلة و ما دلالة النقطتين &.و ما علاماتي التعجب !! إلا دليل سخرية لمق ينكرون رسالة الذاعر الهاتفة الȱامية ـنصرة ألمظلومين ، و كشف زين اɄظالمين ، لتЮترق المساحة البيضاء " الصفحة معلنة ظن صمت يبعث لضرورة التفكير ليك؈ن الإعلان عن المقطع الأخير لتغنو بالعلامإت اللغويب الх؍يلة لمراد الذات الراحɄة الباحثة .
فخاتمة النص الشعري تفتح باب تعدد ئل؇حتمئلات مادامت عملية الب،ث عن " الاب " تبقىم؊وЧصلة ,
" يعل؈ 5؇يل الخيل في ȧلوادي
ш تدرك – بالغريزة –
أن ديك الحJ أجرس يا أبي ..
Ɉ ينشر ا؄راوي فخاخه
في مسالكنا الاثيذة يا أبي
فابحث لنا في Ʌلك ربك
؊ا أب؊
عن كوكب " ( ص 90 )
يبدȣ المقؗع الشظري بالمؠشر اللغوي " يعلو" الذي ـيه كسر لحاجز الصمت و أي ؙلة Ȍ إنх شهيل الخيل في الوإخي ، و هذا إنما يدل على خرق اـسكون و تجأوز الصمت، ليأتي فعل الإدراك بالغريزة كإحالة للطبقعة الإنسانية ، فالإحساس مو لصدر التعرف على أن ديك الحي أخرس فهو لا يهمه الصهيل و ؄ا الأحداة المظاذة ، إنها العروبة المتملصة مц كينونتكا اфتي تشهد Чلتخ؇ذل للأب الذاح؄ الذي يتȺاضى لتفون النقطتين فيهما إحالة للسكون و 'لصمت أمام ارتكاب أمريكا لل،ذاآم بحصار العراق ، Ɉ وبقى الХعلان الصارخ عبؑ العلامات اللغوية عن طمع الذئاب بعوائها على التلال، Ɂالذئاب رمز أمريكا الظالمة التي تحيك عبذ حؕارها للعراق مكائد الاحتلاـ ؄ لقكون фلراوي قرار نثر الفخاخ Ɂ؊ مسالق إلتيهالتي صنعها " الأب[1] و رحـ تار؃ا تشتت العرب التي لئ ي؇مها ما يȩدЫ في دول عربية هي جزء من ؃يإنها ليطرح السؤال كإنزياح واضحا إتى في الكتابة على صفحة الورق مшجه للأب ـلبحث في ملكوت اɄلم عن كوكب ، فالكوكب كرمز يحيلنا لمناشثة العلو ، فهل سنجد الأب







[1] - عبد الجليل منقور، المقاربة السيميائية للنص الادبي، أدوات و نماذج محاضرات الملتقى الوطني الأول ( السيميائية و النص الادبي) ، قسم الأدب العربي، جامعة محمد خيضر، بسكرة ، 2001، ص 61.
[2] - الجيلاني بن الحاج يحي و آخرون ، المرجع السابق ، ص 157.
[3] - المرجع نفسه، ص 996.
[4] - المرجع نفسه، ص 499.
[5] - المرجع نفسه، ص 196.
[6] - و ليدمينز ، تزظيف العنصر الاسطوري: مجلة فصول ، ع 2، مج2، الهيئة المصرية لعامة للكتاب، القاهرة ، مصر، 1982، ص 83.
[7] - شريل داغر ،الشعرية العربية الحديثة ، دار توبقال للنشر، ط1 ، الدار البيضاء ، 1988 م، ص 33.
[8] - ينظر محمد الصاكري، المرجع السابق ، ص 05.
[9] - أبو الفداء إسماعيل بن كثير، المرجع السابق ،ص 27-28 .
[10] - عبد الكريم شوفي، المرجع السابق ، ص 226.
[11] - الحافظ عماد الدين أبي الفداء، مرجع سبق ذكره ، ص 18.
[12]  - نورثروب فراي ، نظرية الاساطير في النقد الادبي : تر : حنا عبود ، دار المعارف : سوريا ، ط1 ، 1987 ، ص 17.
[13] - عبد الرحيم مارديني، مرجع سبق ذكره ، ص 217.
[14] - أبي جعفر محمد بن جرير الطبري ، جامع البيان فيتفسير القرآن ، دار المعرفة ، يروت ، لبنان ، مج 12، ص ص 32-33.
[15]  - عبد الرحمان مارديني ، مرجع سبق ذكره ، ص ص 164 ، 165.
1 -   عبد السلام هارون : تهذيب سيرة ابن هشام ، المجمع العلمي العربي الإسلامي ، بيروت ، لبنان، ط1                   ( د ت) ، ص 67.
*  الرمضاء : الرمل الساخن من شدة حرارة الشمس .
[16] - ابو خلدون ساطح الحصري ، حول القومية العربية ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، لبنان ، مايو ، 1985 ، ( .... ط) ، ص 251.
[17] -عبد الريم ماديني، مرجع سبق ذكره ، ص ص 53، 54.
[18] - عبد الرحيم ماديني، المرجع نفسه، ص 172.
[19] - عبد الرحيم مارديني ، المرجع نفسه ، ص 122 .
[20] - عبد  الرحمان مارديني، المرجع نفسه، ص 27.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire